راي

فأغشيناهم فهم لا يُبصرون*

لـواء ركن ( م) د. يونس محمود محمد

 

تسد الحيرة أفق المحللين العسكريين والأمنيين، وتعقد الدهشة ألسنة أهل التقانة والمقدرات الهائلة في الرصد والمراقبة، هذا على مستوى العالم أجمع، بأقماره الصناعية، والطائرات بأنواعها العسكرية، المدنية، والمسيّرة، كلها عجزت عجزًا تامًا عن رصد وإلتقاط ما يجري في قطاع غزّة الذي تبلع مساحته فقط ( *٣٦٠ كلم مربع* ) حيثُ يمكن توجيه الكاميرات لكل بوصة مربعة فيه ليصبح مثل ملعب كرة القدم، ما من شاردة ولا واردة إلا وهي قيد السجلات، بيننا الذي جرى في أرض غزة بالنسبة لهم اكثر أهمية؛ لأن أهداف الحرب الإسرائيلية بُنيت على ( *تدمير حماس،* *نزع سلاحها،* *إعادة المختطفين بالقوة العسكرية* ) والكيان الصهيوني كما هو معلوم مركز من مراكز تقانة المعلوماتية والتكنلوجيا المتطورة، وخلاصة الأبحاث الدقيقة في هذا الشأن، حيثُ تبلغ صادراته منها ( *أكثر من ٤٨%* ).
ومع توفر كل هذه الأسباب والعوامل عجزت إسرائيل وأمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، والأتباع العرب، والعملاء من الداخل، وعيون ( *الشاباك* ، *وآذان الموساد*، وحدس الإستخبارات العسكرية* ) ولمدة خمسة عشر شهرًا بالتمام والكمال أن يرصدوا تحركات رجال المقاومة، وأين يخبئون الأسرى اليهود المختطفين منذ السابع من شهر أكتوبر الأغر للعام ٢٠٢٣م، ولذلك إعتمدوا تعبئة الصدمة فصبّوا ملايين الأطنان من المتفجرات التي إذا قُسّمت على أهل غزة كان نصيب كل واحد منهم ( *٣٦ رطل من المتفجرات* ) بما فيهم الأطفال، الأمر الذي أدى إلى قتل وجرح عشرة في المئة من السكان، وتدمّرت المباني بنسبة أكثر من تسعين بالمئة، ونتنياهو يصرخ ملئ شدقيه أن على حماس الإستسلام ولا مناص من ذلك، يقول هذا لأنه لا يدري ماهية ( *حماس* ) لعلّه ظنّها واحدةً من الجيوش التي قاتلها فيما سبق من حروب، ولم ير منها بأسًا، ولا صبرًا، وإنما هي ساعات أو أيام بالكثير، فيخلون الميدان، وينكسرون ، لكن ( *حماس* ) شيء مختلف، تربّى رجالها على عشق الشهادة، قوم أولوا بأسٍ شديد، متجذّرون في أرضهم كأشجار الزيتون، راكزون في أولى القبلتين.
ولذلك عرّوا جيش إسرائيل صاحب أكبر وأكذب دعاية أنه الجيش الذي لا يُهزم، أما وقد ذاق الهزيمة بعينها في أرضِ الرباط غزة، وليست هزيمة عسكرية فقط، وإنما هي جُملة هزائم مركبة، منها السياسي الذي قسّم الأحزاب الإسرائيلية إلى فئات متناحرة، ومنها الإجتماعي الذي فكك عرى المجتمع، ومنها الإقتصادي، والأمني، والأخلاقي، بل وتغيّرت القناعات لدى العالم، التي صنعتها الدعاية الصهيونية طوال سبعة عقود من الزمان، بأنّها القوة القاهرة فوق الجميع، والقضية التاريخية البالغة الحجّة، والتميز النوعي للإنسان الإسرائيلي، وغيرها من أنواع التسويق الصهيوني.
نعم كل هذا إنقضى عهده وإنكشف خداعه، وغرق مع طوفان الأقصى، الطوفان الذي دك حصون إسرائيل وكل القوى الدولية الداعمة لها، وكل الحكومات العربية المتواطئة أو المحايدة، حيثُ إنقلبت كل المعادلات الطبيعية في معادلات القوى، تصديقًا لقول الصادق المصدوق : ( *لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم*).
وكأن حماس هى المعنية بهذه الحفاوة النبوية في زماننا هذا؛ إذ تكالبت عليهم كل القوى العالمية، وفشلت في أن تقضي عليهم، أو تكسرهم، أو تُكرههم على الإستسلام، بل العكس هو الذي حدث، فالمشاهد لوقائع تبادل تسليم الأسرى والمخطوفين بين الكيان الصهيوني وحركة حماس يصل إلى يقين بأن حماس هى المنتصرة، والصهاينة هم الذين فشلوا في تحقيق أهدافهم، ولم تستطع الدنيا كلها أن تعرف كيفية تحرّك حماس، ولا معرفة مكان المخطوفين، حتى ظهرت المجموعة الأولى في ساحة السرايا وبرتل من السيارات، لا يعلم أحد أين كانت ومن أين جاءت.
أما حشود المجاهدين الذين ظهروا في كامل عدتهم وعتادهم وإنضباطهم في الزي، والحركة والتنسيق، وكأنهم في بداية المعركة، لا في نهايتها بعصاباتهم الخضراء، ووجوههم الملثمة التي تبثُّ الرعب في قلوب اليهود الذين ذاقوا بأس حماس وسرايا القُدس، بمقتل وجرح أكثر من ( *عشرة آلاف جندي* ) وتدمير ( *أكثر من ألفي مركبة ومعدة قتالية* ) وأدّت إلى إستقالة وزير الدفاع ( *جالنت* ) واليميني المتطرف المهووس ( *بن غفير* ) ودخول رئيس الوزراء ( *نتنياهو* ) إلى قوائم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وغيرها من الشروخ والتصدعات في حائط الدولة الصهيونية.
إنَّ الفرحة التي أدخلتها حماس على قلوب المؤمنين في العالم لهي فرحةٌ عظيمة بثمنٍ عظيم، إستشهد من أجله أكثر من خمسين ألف من أهل غزّة وفلسطين، ولم يضرهم خذلان من خذلهم .
حيَّ الله كتائب القسام، وسرايا القُدس، وشباب الإسلام الذين شفوا صدور المسلمين من غيظها، وتبقى غزة رمزية الصمود، وأيقونة الحرية، ونضال التحرر، في وجه طُغاة العالم المرائي .
*وإنه لجهاد حتى النصر أو الشهادة* ، *كما يقول الرائع أبو عبيدة الناطق العسكري لحماس* .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى