
التاريخ العربي مليء بالمآثر الإنسانية المشرّفة حتى قبل رسالة الإسلام، وفي ظروف ودواعي عقد حلف الفضول ( *حلف الطيبين* ) كما سماه الرسول ﷺ وهو يومئذ غُلام في العشرين من عمره ﷺ حيثُ قال : ( *شهدتُ حلف الطيبين وانا غُلام، وما أُريد ان يكون لي حمر النعم أني أنكثه* ) وقصّته المعروفة أن رجلاً من بني زبيد دخل مكة فباع بضاعته للعاص بن وائل فماطله ولم يُعطه حقّه فشكى إلى بعض النافذين فلم ينصروه على العاص، ( *إسترخاصًا* ) له لأنه غريب، فصعد الرجل ( *منصة* ) جبل أبي قبيس ( *الإعلامية* ) عند أول الصباح وأهل قريش في أنديتهم فأنشد أبياتًا من الشعر لخّص فيها مظلمته فلامس قوله ( *النخوة العربية السليمة* ) وأثار كوامن النبل فيهم، فقام الزبير بن عبد المطلب فنادى: ( *مال هذا من مترك* ) أي لا سبيل لتجاهل أمره، فاجتمع له عُصبة من الناس وواجهات من القبائل وتعاهدوا على نصرة المظلوم، ورد الحقوق والإنصاف والعدل، وأن يضربوا على يد الظالم، وابتدروا حلفهم بالضغط على العاص بن وائل فأعطى الرجل الزبيدي حقه.
والنخوة العربية ما تزال خبيئة في أعماق الوجدان العربي سيما بعدما تطّهرت بالإسلام من مما علق بها من دنس وشوائب، سليمة لا تصدأ، ولا يغيّر الدهر سماتها مهما طال .
إن مظلمة فلسطين لهي أكبر مظالم التاريخ المعاصر، حكتها المجازر، منذ العام ١٩٤٨م مجزرة دير يس، وحتى آخر مجازرهم البشعة في غزة حيث قُتل وأصيب نحوا من 12% من أهل غزة وبينهما آلاف المجازر عبر تاريخ الصهيونية الدامي.
ثم يجيء قرار الرئيس الأمريكي المهووس ترامب، بضرورة إخلاء غزّة من أهلها لأنه يريدها لنفسه عقارًا إستثماريًا،
نعم بهذه الوقاحة، بل ويلزم الأردن ومصر بإستقبال أهل غزّة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، في أكبر عملية تهجير وتطهير عرقي في التاريخ، ربما بعد الهنود الحمر في أمريكا على أيدي أجداد ترامب، هٌنا خاطبت غزّة كل مؤسسات العالم، الأمم المتحدة، الأحلاف، المنظمات، ولكن لم ينصفها أحد ضد أمريكا؛ لأنها مستضعفة، مثل الرجل الزبيدي سابق الذكر، هنا صعدت غزة إلى جبل أبي قبيس في حرز الحرم، وما وراء الحرم من رسائل وإشارات، أخوة الدين، ووحدة القبلة، وشراكة المصير، تشكوا ظلم أمريكا في عهد المهووس ترامب، وأنه يريد أن يأخذ أرضها ويغرب أهلها.
هنا تحرك البركان الساكن في العمق العربي، فسعدنا بسماع أصداء التصريحات من الدول العربية الرافضة من حيثُ المبدأ، لما يهرف به المهووس ترامب، وتقرّر عقد حلف الفضول في العاصمة السعودية الرياض يوم الخميس الموافق ٢٠ فبراير الجاري، الأمر الذي يبشّرنا بخيرٍ كثير وفقًا للروح السائدة، والتحدّي المُعلن، والرفض البات.
والقواعد الشعبية كلّها على قلب رجلّ واحد، وهو الرفض، والإستهجان، والتحدّي، والإستعداد لدفع الثمن ولو كانت الحرب، ولذلك يحملنا التفاؤل لمستقبل جديد في سنن التعامل مع الصلف الصهيوني، ومتعهديه.
فليس أقل في هذه القمة أن تقرر الآتي :
* قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
* إلغاء الإتفقيات المعقودة بينه وبين مصر والأردن.
* عقد حلف عسكري عربي جامع.
* توسيع التحالفات العسكرية مع الصين وروسيا.
* فتح معبر رفح دون أدنى رقابة من الكيان.
* إستنفار الجهود لإعمار غزة بأسرع ما يمكن.
* تشغيل ميناء ومطار غزة.
* التعبئة العامة والإستنفار الشعبي.
* رفع حالة التأهب القصوى في الجيوش العربية.
* تعويض الدول التي تعتمد على المعونة الأمريكية.
لو صدرت قرارات قمة الرياض، وأكّدت عليها قمة القاهرة المزمعة في ٢٧ فبراير سيكون تاريخًا جديد قد تم تدوينه في كتاب الصراع العربي الصهيوني، وأبطالا جدد قد سطّروا أسمائهم في مدوّنات البطولة الخالدة، وليس ذلك بصعب ولا مستحيل فقط الثقة بالنفس وقدرات الأمة العربية والإسلامية التي تضاهي كل ما عند الغرب، فالموقع والموارد، والممرات البحرية، والبُعد الحضاري، والموجود البشري، والمعطى الثقافي والقيمي الداعم للتضحية وإفتداء الدين والأوطان، كلها مقوّمات قوة، مستعينةً بالله يتحقق النصر بإذن الله.
{لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}