حرب السودان وأثرها في تفكيك المجتمع السوداني : نسيج وطني يتمزق

لم يكن السودانيون في حاجة إلى مزيد من الجراح، فقد حملت السنوات الأخيرة ما يكفي من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لكن ما حلّ بالوطن منذ اندلاع الحرب الأخيرة علي السودان شكّل منعطفًا خطيرًا تجاوز حدود السياسة إلى عمق المجتمع، حيث أصاب نسيج الأمة في مقتل، وهدد أسس التعايش، وعمّق الانقسامات الأهلية، وفتح الأبواب على مصراعيها أمام التفكك الاجتماعي والتشظي الثقافي والإنساني.
أولًا: الصدمة الجماعية وضياع الأمان
كانت أولى نتائج الحرب هي الصدمة الجماعية التي ضربت المجتمع، إذ لم يتوقع الناس أن تتحول العاصمة الخرطوم إلى ساحة حرب، ولا أن تمتد نيران الصراع إلى المدن والقرى. ومع تدهور الأمن وانتشار الفوضى، انفرط عقد الأمان الاجتماعي، وانهارت شبكات الثقة بين الناس، وتراجعت روح التعاون والتكافل، لتحل محلها حالة من الشك والخوف والانكفاء الذاتي
ثانيًا: النزوح والشتات… عائلات تتفرق ومجتمعات تنهار
أجبرت الحرب ملايين السودانيين على النزوح داخل البلاد أو اللجوء خارجها، مما أدى إلى تفكك آلاف الأسر، وانقطاع سبل التواصل بين الأجيال، وتهجير الأطفال من مدارسهم، والنساء من بيوتهن، والشباب من طموحاتهم.
نزوح السودانيين لم يكن مجرد انتقال مكاني، بل نزوح قيمي وثقافي واجتماعي، إذ فقدت الأسر مرجعياتها، وانهارت الأنماط التقليدية للتربية، وضعف تأثير المجتمع المحلي الذي كان في السابق مظلة الحماية ومصدر الدعم.
ثالثًا: العنف المجتمعي والانقسام القبلي
أطلقت الحرب العنان لصراعات قبلية وعرقية نائمة، وظهر خطاب الكراهية والتحريض بشكل غير مسبوق، وتورطت مجموعات مسلحة في جرائم ضد المدنيين، ما أدى إلى إعادة إنتاج الانتماء القبلي على حساب الهوية الوطنية.
لم يعد الفرد يُعرّف بكونه سودانيًا، بل بمنطقته أو قبيلته أو انتمائه الجهوي، في نكسة خطيرة لمشروع بناء الدولة الوطنية الجامعة.
رابعًا: تآكل القيم وانهيار المؤسسات الاجتماعية
ساهم طول أمد الحرب في إضعاف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، مثل الأسرة، المدرسة، المسجد، والمنظمات المجتمعية. ومع غياب القانون وهيبة الدولة، تفشت الجريمة، وانتشر الإدمان، وظهرت شبكات الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال والنساء.
هذه الظواهر ليست أعراضًا طارئة فقط، بل هي مقدمات خطيرة لتفكك مجتمعي طويل الأمد إذا لم يتم تداركها.
خامسًا: المرأة السودانية في قلب المعاناة
دفعت المرأة السودانية ثمنًا باهظًا لهذه الحرب، إذ فقدت أبناءها، وهُجّرت من بيتها، وتعرضت – في بعض المناطق – إلى انتهاكات مروعة، شملت الاغتصاب والعنف الجسدي والنفسي. كما تحولت إلى المعيل الوحيد في كثير من الحالات، مما ضاعف الضغط عليها، وأدخلها في دوامة من القلق والعجز والخوف على مستقبل أسرتها.
سادسًا: إعادة بناء النسيج الاجتماعي… مسؤولية وطنية عاجلة
إن آثار هذه الحرب لن تنتهي لأن الجرح عميق، ويحتاج إلى مشروع وطني شامل لإعادة ترميم المجتمع، يبدأ بالمصالحات المجتمعية، ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وتعويض الضحايا، واستعادة الثقة، وتفعيل دور العلماء والمصلحين والنساء في اصلاح النسيج الاجتماعي، وبناء ثقافة سلام قائمة على العدالة والاعتراف بالألم المشترك.
لقد أثبتت حرب السودان أنها زلزال مجتمعي ضرب القيم والهوية والروابط الأسرية والإنسانية، فإن خطر التفكك الاجتماعي قد يكون أفدح من خسائر المعارك العسكرية.
ويبقى الأمل معقودًا على وعي الشعب السوداني، وقوة نسيجه رغم التمزق، وعلى نخب قادرة على صياغة مشروع وطني جامع، يُعيد للمجتمع تماسكه، وللوطن رسالته.
وتحية لعلماء بلادي الذي يعملون بكل جهد ونشاط بمشروع اعمار واصلاح النسيج المجتمعي هيئة علماء السودان ومركز بناء الامة ومشروع نهضة السودان
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مستقراً وارزق اهله من الثمرات وانصرنا نصرأَ عزيراً