الإبادة الجماعية في غزة… صمت حقوقي مريب وتواطؤ دولي

يشهد قطاع غزة منذ أشهر جريمة إبادة جماعية موثقة بكل الأدلة والبراهين، ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين، في مشهد تجاوز كل حدود القتل إلى التدمير الكامل للحياة، وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني. آلاف الأطفال والنساء يُذبحون بدم بارد، المستشفيات تُقصف، والمدارس تُدمَّر فوق رؤوس النازحين، حتى المقابر لم تسلم من الاستهداف. ومع كل هذا، يصمّ العالم أذنه، وتتجاهل منظمات حقوق الإنسان -إلا القليل- هذا النزيف المستمر.
الصمت الحقوقي ليس فقط تقاعسًا، بل أصبح تواطؤًا. أين تقارير “هيومن رايتس ووتش” المفصّلة؟ أين بيانات “العفو الدولية” الصارخة؟ لماذا لم نشهد مؤتمرات عاجلة للمنظمات الحقوقية كما رأيناها في أزمات أقلّ حجمًا؟! لماذا تغيب حتى الكلمات عن موائد مجالس حقوق الإنسان، وتُختزل القضية في “دعوات لضبط النفس” و”تفهم لمخاوف إسرائيل الأمنية”؟!
إن ازدواجية المعايير أصبحت هي القاعدة، وليست الاستثناء. فالضحية إن كان فلسطينيًا، فإن إنسانيته تسقط أمام آلة الدعاية الغربية المنحازة. هذا التواطؤ الحقوقي يسهم في شرعنة العدوان، ويمنح القتلة غطاءً أخلاقيًا زائفًا، ويزيد من جرأة المحتل على ارتكاب مزيد من المجازر.
ما يحدث في غزة ليس فقط إبادة جسدية، بل هو اغتيال للعدالة الدولية، وتجريف لقيم حقوق الإنسان التي تتشدق بها الأمم. إنّ واجب الشعوب والمؤسسات الحرة اليوم أن تفضح هذا الصمت، وأن تُعيد البوصلة إلى مبادئ لا تموت بموت الضحايا، بل تزداد حياةً بصوت الحق.
غزة لا تنزف وحدها، بل تنزف معها ضمائر العالم. فكل صرخة طفل، وكل أم تبكي أبناءها، هي شهادة على عصر الكذب الحقوقي والنفاق الدولي. الصمت لم يعد حيادًا، بل أصبح جريمة.