الرضا… طمأنينة الروح وسر السعادة

الرضا قيمة عظيمة تُهذّب النفس وتُهدي القلب وتفتح أبواب الطمأنينة. إنه توازن دقيق بين رضا الله ورضا النفس ورضا الناس، وهو من أعظم مقامات الإيمان وكنوز الحكمة. لا يبلغ الإنسان السكينة الحقيقية حتى يذوق حلاوة الرضا في هذه المستويات الثلاثة، التي تختلف في طبيعتها لكنها تتكامل في أثرها
أولًا: رضا الله… الغاية الكبرى
رضا الله هو الأصل، وهو أعظم ما يرجوه المؤمن في دنياه وأخراه. قال الله تعالى:
( قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا رضي الله عنهم ورضو عنه ذلك الفوز العظيم ) ” المائدة ١١٩”
رضا الله لا يُنال بالأماني، بل بالاستقامة والطاعة والعمل الصالح، وبالصدق في النية والسلوك. فمن أرضى الله، أرضى عنه خلقه، وبارك له في عمله، وأحبه الناس بغير أن يسعى لذلك. فكل من تعلق قلبه برضا مولاه، أغناه الله عن سواه.
ثانيًا: رضا النفس… طمأنينة الداخل
رضا النفس ليس استسلامًا، بل تصالح مع الذات وقبول لحكم الله فيما جرى ويجري. من رضي عن نفسه وهو يسعى في الخير، اجتاز مخاوف المقارنة، وتجاوز مرارة الفشل، وآمن أن كل قدر فيه حكمة. فالرضا لا يعني الجمود، بل هو قناعة مقرونة بالسعي، وطمأنينة تنبع من الثقة في الله وعدله ولطفه.
رضا النفس ينشأ من:
الشعور بالقبول الذاتي دون جلد للذات.
السعي المتوازن دون تعلق مَرَضي بالنتائج.
النظر لنِعم الله لا للمنقوص منها.
ثالثًا: رضا الناس… غاية لا تُدرك ولكن تُوازن
الناس أذواق وآراء، ولا يمكن للمرء أن يُرضي الجميع مهما حاول. قالوا قديمًا: “إرضاء الناس غاية لا تُدرك، فليكن همّك إرضاء من لا يرضى عن الباطل”. فإن وافق رضا الناس رضا الله ورضا النفس، فلا بأس، أما إن تعارض، فالأولى تقديم ما يُرضي الله والضمير.
من يسعى خلف رضا الناس دائمًا، سيخسر نفسه وربه في النهاية. لكن من سعى بإخلاص، وتحدث بلطف، وخدم الناس بصدق، رضي عنه الكثير حتى وإن خالفه البعض.
الرضا مفتاح السكينة
الرضا شجرة طيبة، جذورها في الإيمان، وسُقياها في القناعة، وثمرها طمأنينة تعيش معك في كل لحظة. من عاش راضيًا بالله، راضيًا عن نفسه، متزنًا في علاقته مع الناس، ملك قلبًا مطمئنًا وسيرة عطرة ووجها بشوشًا.
فلتكن لنا دعوة دائمة:
“اللهم ارزقنا رضاك، ورضا أنفسنا، ورضا من تحب من عبادك، واجعلنا من الراضين المرضيين.”