راي

الهمة العربية

لـواء ركن ( م) د. يونس محمود محمد

 

يذكر رواة التاريخ إبان حرب التتار على بلاد المسلمين وتساقط المدن والحواضر تباعًا في بلاد الرافدين وبلاد الشام، وتخاذل الأمراء والملوك الغافلين عن صياغة الرجال إلى صياغة الذهب والفضة، وإقامة مهرجانات الإستعراض والزينة، حيثُ حلّت الهزيمة النفسية بشتات الشعوب وشعث القوميات، فماتت في الناس روح المقاومة وإنهارت مقومات النخوة وحوافز المقاومة، حتى أن التتري الواحد يقبض على عدد من الرجال، ويقول لهم إنتظروا مكانكم حتى أذهب وآتي بالسكين لأذبحكم، فينتظرونه، وقد شُلّت قواهم، ولما إستمرأ التتار ذلك وقرّروا التقدم الى أرض فلسطين ومنها إلى مصر، هنا نهض العلماء الحقانيين، أمثال العز بن عبد السلام، والظاهر بيبرس، وشيخ الإسلام إبن تيمية الذي تقدّم في موقعة ( *شقجب* ) ليس بعيدًا من دمشق عام ٧٠٢ للهجرة حتى حقّق الله النصر للمسلمين.
نقول هذا بين يدي تصريحات زعيم التتار الجدد الأمريكي( *دونالد ترامب* ) الذي لا يجد حرجًا في إستفزاز العرب والمسلمين بأقسى ما يمكنه من كلمات وإيماءات وسخرية، لا يحفظ لهم قدرًا، ولا يكن لهم إحترامًا، ولا يرعوي أن يرسل الإهانات تباعًا ولا يبالي على أي رأس تقع، يمارس الابتزاز المشين جهرًا، وبشكل مهين للغاية، حتى يعطوه ما أراد وهم راكعون من ذل الإستجابة، أمام شعوبهم، وفي حضرة قلم التاريخ الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها عليهم، لتقرأها الأجيال مثلما نقرأ نحن اليوم تلك السِير الباذخة، والبطولات الخالدة، التي مضى صانعوها وبقيت آثارهم، وكذلك مضى الخونة الخائبون برغم حرصهم على ( *حياة* ) وبقيت آثار خزيهم كجيفة على الطريق يعافها السالكون.
ترامب وقبل أن يعتمد رئيسًا بأداء القسم، كان قد ملأ الكون بالوعيد، توعّد كندا بضمها لأمريكا لتكون الولاية الواحدة والخمسين، لعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها، بحسب تبريره، توعّد بنما بالسيطرة على قناة بنما حتى يُبعد الصين من الإقتراب من الحمى الأمريكي، توعّد أوروبا العجوز بتقليص إلتزاماته المالية والعسكرية في حلف الناتو، توعّد الأمم المتحدة بمزيد من وقف الدعم المالي، وإنسحب من منظات حقوق الإنسان، ومنظمة الصحة العالمية، كل هذا ( *كوم* ) ولكنّه تجاوز كل التوقعات بإقتراحه الذي هو أشبه بالقرار، وذلك بإخلاء قطاع غزّة من أهله الذين يتجاوز تعدادهم المليوني نسمة، ووجه معاليه كلا من ( *مصر والأردن* ) لتقومان بإستضافة الغزاويين إستضافةً طويلة الأجل، وستقوم الإدارة الأمريكية بالسيطرة على القطاع، وإعادة إستثماره عقاريًا حتى يُصبح إطلالة سياحية للمتفكهين، وما كاد نتنياهو يصدّق وهو يكذّب أذنيه ( *الطويلتان* ) هل ما يقوله هذا الصهيوني جاد غير هازل ؟؟
لأنه الحل المنتظر لليهود، كيف يتخلصون من الفلسطينيين، منذ العام ١٩٤٨م وعد بلفور، ما غادروا حربًا ، ولا تضييقًا، ولا تهجيرًا قسريًا بالهدم والإبعاد، والقتل والتشريد والسجون، إلا وأنفذوه بأبشع صوره، يعينهم على ذلك كل المجتمع الغربي، وبعض العرب والمسلمين، بل وبعض الخونة من بني جلدتهم.
هنا تحركت ( *الهمة العربية* ) من بعدما شبعت نومًا وإستكانة، حتى أصبحت القمم العربية مثار التندر والسخرية والإستخفاف من الشعوب، والمراقبين، لأنها بلا أثر، لا مخالب ولا أنياب، في هذه الغابة البشرية الشديدة التوحش، ولكن ( *مقترح ترامب* ) كان له أثر الصعقة الكهربائية، والإنتباهة بعد الغفلة والشرود، إذ كانت ردة الفعل ممتازة قياسًا بالتوقعات وأحسنت المملكة السعودية بإصدار بيانها من الخارجية، بعيد أقل من ساعة من تصريحات ترامب، رافضةً المبدأ الذي بُني عليه الإقتراح الكارثة، ومؤكّدةً موقفها من القضية الفلسطينية، كما وردت في القرارات الأممية، ومعلنةً عدم تطبيعها مع الكيان الصهيوني ما لم تقوم الدولة الفلسطينية، وهذا موقف يُحمد لها.
وكذلك مضت مصر والأردن على ذات إيقاع الخُطى الرافضة وبشدّة، بل وإدانة هذا النوع من التفكير والتصرف الإستعلائي النرجسي من ترامب، وأن الفلسطينيين سيبقون في أرضهم إلى الأبد ، ولن تستطيع قوة أو جبروت أن يقتلعهم منها.
أما أهل القضية، فالمواقف المتناهية في الصمود والبطولة، والإقتدار، التي تفتق عنها العقل والساعد الجبار للمقاومة الإسلامية في حركات حماس والجهاد الإسلامي، وكتائب الأقصى، التي ألحقت الهزيمة وقهرت الجيش الأسطورة، وحطّمت صورته، و( *بهدلت حاله* ) جندلت منه أكثر من خمسة عشرة ألف عنصر ما بين هالك، ومعاق ومجنون،
وأرغمت أنف الكيان أن يفك آلاف الأسرى ويبيض المعتقلات من السجناء والأسرى، بعدما عجز نتنياهو وجيشه، ومخابراته الثلاثية ( *الشاباك*، *الموساد*، *الآستخبارات العسكرية* ) كلهم عجزوا ولمدة خمسة عشر شهرًا من تحديد مكانهم.
نعم هذه الهمة التي سرت في الجسد العربي والمسلم، عليها الإستمرار وإستثمار المواقف الدولية الداعمة للقضية الفلسطينية العادلة.
هذا أوان الأئمة والدعاة وأعمدة الرأي والكتاب والأدباء بأن قوّدوا هذا الحراك الحيوي، ويشجعوا الحكام المترددين، الواقعين تحت التأثير النفسي الإنهزامي أمام كل ما هو أجنبي، ولكم في إمارة أفغانستان آيات لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

آملين أن تكون همة بلا إنتكاس، وصحوة بلا غفوة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى