إعادة بناء العاصمة الخرطوم وتفريغها من الكيانات المسلحة: نحو عاصمة آمنة وموحدة”

تعد العاصمة الخرطوم القلب النابض للدولة السودانية، ومركز القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. غير أن السنوات الأخيرة، لا سيما مع اشتداد الصراع المسلح في أبريل 2023، حولت العاصمة إلى ساحة حرب مفتوحة تتنازعها المليشيات المسلحة وتتناثر فيها مؤسسات الدولة والمرافق الحيوية. وهو ما يستوجب اليوم، وبإلحاح، مشروعًا وطنيًا شاملًا لإعادة بناء الخرطوم، وتفريغها نهائيًا من كل مظاهر التسلح والتمرد، لتعود حاضنةً للجميع ومركزًا للسلام والاستقرار.
أولًا: الخرطوم عاصمة وطن لا ساحة معركة
إن العواصم، في كل دول العالم، هي رموز للسيادة والوحدة الوطنية، ولا ينبغي أن تكون مرتعًا للفوضى أو ساحةً لصراع الفصائل والميليشيات. ويعد وجود أي كيان مسلح خارج سيطرة الدولة داخل الخرطوم تهديدًا مباشرًا لأمن المواطن، ولشرعية الدولة، ولمشروع البناء الوطني نفسه. ولذا، فإن تفريغ العاصمة من جميع الكيانات المسلحة، أياً كانت مرجعياتها أو مسمياتها، يمثل حجر الأساس في عملية إعادة الإعمار السياسي والمؤسسي.
ثانيًا: إعادة الإعمار تبدأ من نزع السلاح
لن تنجح أي عملية إعادة إعمار ما لم تُؤسس على بيئة آمنة مستقرة، تخلو من فوهات البنادق وآثار الدمار. ويجب أن ترافق عملية إعادة بناء العاصمة خطة أمنية صارمة تشمل:
1. إعلان الخرطوم منطقة خالية من السلاح، وتحت سيطرة القوات النظامية الرسمية فقط.
2. تفكيك البنى العسكرية الموازية، وإعادة دمج المقاتلين في مؤسسات الدولة أو تسريحهم وفق برنامج وطني للتأهيل.
3. إعادة توزيع القوات المسلحة في محيط العاصمة لحمايتها من أي تهديد خارجي أو داخلي.
ثالثًا: الخرطوم الجديدة.. عاصمة مدنية حضارية
إعادة بناء العاصمة لا تقتصر على ترميم ما تهدم، بل تتطلب رؤية عمرانية جديدة تستوعب التوسع السكاني والتحديات البيئية والاحتياجات التنموية. ويجب أن يُراعى في التخطيط الجديد:
إنشاء أحياء سكنية منظمة تضمن العيش الكريم للمواطن.
تطوير البنية التحتية (طرق، مياه، كهرباء، صرف صحي) وفق أعلى المعايير.
إعادة تأهيل المؤسسات التعليمية والصحية والإدارية المتضررة.
بناء مجمعات خدمية وأمنية وإدارية حديثة تسهم في تسهيل حياة المواطن وتقديم نموذج للدولة الرشيدة.
رابعًا: المسؤولية الوطنية والدولية
نجاح هذا المشروع الكبير يتطلب تضافر الجهود الوطنية والدعم الدولي. فالدولة مسؤولة عن صياغة الرؤية وتوفير الإرادة السياسية، بينما يقع على عاتق المجتمع الدولي والمنظمات التنموية دعم هذه الخطوة باعتبارها ركيزة للسلام والاستقرار الإقليمي. كما يُنتظر من النخب السياسية والمدنية والإعلامية دعم هذا التحول التاريخي بكل الوسائل الممكنة.
إن إعادة بناء الخرطوم وتحريرها من قبضة المليشيات ليست خيارًا سياسيًا، بل ضرورة وطنية تسبق كل أجندة. ولن تستقيم أي عملية انتقال ديمقراطي أو إصلاح اقتصادي ما لم تبدأ من قلب العاصمة، حيث تُعاد هيبة الدولة وتُبسط سلطتها، ويعود المواطن ليحيا في أمن وكرامة. إنها معركة البناء لا الهدم، ومعركة السيادة لا التفلت، ومعركة المستقبل لا الماضي.