راي

مدني

لـواء ركن ( م ) د. يونس محمود محمد

 

ولأنها مدني، عادت كما يعود الحبيب من بين ثنايا اليأس وأوجاع الإغتراب.
عادت وعلى محياها بقيّة من دمعٍ وإبتسام، دمع من فرحٍ غامر بلُقيا الوطن التائه في دروب القحاطة والجنجويد، في أكبر وأخطر تآمر على شعبٍ وأرض، ومعتقد، وحضارة في العصر الحديث، تآمر دونه كل مؤامرات مَن سبقوه من بلدان الجوار في أفريقيا، والعالم العربي والإسلامي.
مدني تعود من أسر الجنجويد والقحاطة الذين ساقهم ظن السَوء بأنها ستدينُ لهم بالولاء، وتَخضع بالقول إفتتاناً بوعدهم الكاذب، ووعيدهم الباطل.
ولما تقدّمت متحركات الجيش العظيم ( *لما يُذكر الجيش تدخل في معيته كل قوى الإسناد* ) صوبها، أفسحت الطريق بعصا العزم والتوكّل، لا تخاف درك المخاطر، ولا تخشى عواقب ما خاله دُعاة التفاوض المخادعون.
والجيش الزاحف كالليل، الراعد بالغضب، اللامع حدود الأسياف ووهج البنادق، يحمله إصرار عجيب على المضي وطي الأرض، من مشارق الأمل وإلى مغارب شمس الجنجويد، تحتشد في ركابه كرنفالات الفرح، وتتبعه وتهوي إليه أفئدة أهل السودان جميعاً حيثما كانوا في الداخل والخارج ( *عدا القحاطة* ) الذين أصمهم الله وأعمى أبصارهم، فلم يسمعوا وقع حوافر خيل النصر، ولا حسيس نار العقاب، ولم يروا غشية الخوف والموت التي تدور في أعين الجنجويد، الذين تأكد لهم خسران مسعاهم من بعد ما فات الأوان، فثقلت عليهم أوزار ما حملوه من زينة الناس، ومتاع البيوت، وسقط الأشياء التي ظنوها مكافأة لهم ومغنماً بارداً، يخطبون به وُد ( *أم قرون* ) وخاب من وداد مهره الحرام.
والجيش قدم بين يدي ( *مدني* ) ملاحم سُطّرت بدماء الشهداء، ورُسمت بعرق المسارات الضاحية، والمستخفية بالليل، لها من دفع الجهاد زئير كالأسد في قعر الغابات، ولها قوة إنحدار السيول من هضاب الهمم العوالي، ولها دوي يزلزل ثبات الصنديد، فتلقفت مواقع الجنجويد، وإرتكازاتهم اليائسة من صد القدر، وإقتحمت المُدن والقُرى التي تمرتسوا فيها لواذاً من هذا الطوفان القادم، فما يكاد الناس يتداولون خبر فتح مدينة أو إسترداد موقع، إلا وتسبقهم الأنباء بتقدمٍ جديد، وفتح آخر، في تداعٍ ( *مُضحك* ) للأشاوذ، الذين أروا المواطن الأعزل، والنساء غير مبينات الخصام، والأطفال ،وكبار السن، أروهم بأسا شديداً، وأبدوا وحشية غير مسبوقة تجاههم، مما يعتبر خور وجبن يعتور داخلهم، ويؤزهم أزّاً، وما إن يسمعوا وقع خُطى الجيش، ويشتمون روائح الموت، إلا ويدبرون ولهم ( *ضراط* ) كما يُدبر الشيطان عند سماع النداء ( *الله أكبر* )، يتركون وراءهم كل ما خوّلته لهم ( *الإمارات* ) من سلاحٍ نوعيّ غالي الثمن، دقيق التصويب، خطير الأثر، لا يتوفر للجيوش في الملأ من حولنا، إذ غضت عنه ( *أمريكا* ) طرفها خُبثاً وسمحت للإمارات أن تضعه في أيدي القتلة المأجورين.
عادت مدني بعيد ليلة فرحٍ أدخله الجيش على قلوب أهل السودان بعودة الحاج عبد الله، وأم القرى، والشُكابة، ومهلة، وود أرزق، وأم سُنط، وكل المراكز العامرة بالكرم والأخلاق، حيث ( *تعوج الدروب* ) في رمضان للغاشي والماشي، هذه القيم لا يعلمها الجنجويد، ولم يمارسوها في حياتهم البائسة المُسخرة في القتل والسحل، والنهب، وإرتكاب الموبقات.
عادت مدني ونجح الجيش العظيم في الوفاء بما وعد ( *سحق الجنجويد* ) وتطهير الأرض من أرجاسهم وأدناسهم.
عادت مدني والفرحة أكبر من خواطر الناس ( *المكسورة* ) بفعل الجنجويد والقحاطة، والغبطة أعظم من أن يعبر عنها، غير حشرجات الصراخ وأختلاجات التعابير والتفاعل، ومُر الذكريات القاهرة تحت سياط هؤلاء الاوباش ، ومغالبة روح الإنتقام والتشفّي ممن تسبّب بكل هذه الأذية، وها هي موجات الفرح تجتاح كل الوجدان السوداني السوي غير المُختل، فتخرج الناس من بيوتهم حيثُما كانت، في عواصم الولايات داخل الوطن الغالي، أو في العواصم العالمية، التي ما خلت فيها اليوم من مسيرة مؤيدة للجيش، حامدةً حُسن صنيعه، مباركةً نصره، شاكرةً مسعاه، ولعل العالم والإعلام ( *المرائي* ) الذي يساوي بين الطرفين بدعوى الحياد الخبيثة، لعلّه يعرف الآن أنَّ الشعب السوداني مع الجيش، موقف واحد لا تفصله مسافة، وهو بكلياته ضد الجنجويد والقحاطة، وبالتالي فهو ضد أي مشروع للتفاوض، أو التصالح، أو نسيان هذه الجرائم غير المسبوقة.
نعم عادت مدني ، وبعودتها فشل المشروع التآمري كله، وتاهت مخططاته، وضاعت أمواله وإرتدت حسرةً على من أنفقوها، وإشتملهم الندم، وقتلهم الغيظ والحسرة، وهم يرون الوطن يغنّي من جديد، ويصلّي صلاة عيد النصر، ويتنافس شبابه على الإلتحام بالجيش إسناداً له، يقيناً بحق الحياة الحُرّة الأبيّة.
عادت مدني وويلٌ للقحاطة، ويلٌ لهم من غضبة الشعب، فقد إنكشف ظهرهم بعد هزيمة الجنجويد، الذين يطلبون النجاة الآن في الزي المدني، وعباءات النساء، والهروب بلا دليل.
*جيش الهنا* فعلا كما غنّى المُغنّي، تشعر بالقشعريرة وأنت في حضرة مشاهد النصر، ومآثر البطولة، وسير الشهداء، وحكايات المستحيل في مواجهة العدو.
نضر الله وجوه أمهات وآباء الشهداء، وبلّغهم مقامات الحمد والصبر فهم أهل الإصطفاء.
التهاني والتبريكات للشعب السوداني وأصدقائه من الشعوب المُحِبة للحق والحرية.
الخزي، الخذلان والهزيمة للجنجويد الجُبناء، والقحاطة الأغبياء.

*الله أكبر والعزة للسودان، *ولا نامت أعيُن الجُبناء*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى