راي

هل إلى خروج من سبيل* ؟؟

✍️ لـواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد

 

هذا النداء الغاص بالوجع، الممزوج بالمهانة وحشرجة الضراعات، وغصص الندم المتيقّن بعدم جدواه لكنه يخرج من أفواه أهل النار يوم القيامة : ( *هل إلى خروج من سبيل ؟؟*) وتتداعى أمام نواظرهم تسجيلات الملائكة الحفظة، فيروا صدودهم عن الحق، وتمرّدهم على الفضائل، ونقضهم كُل عهد، وقطعهم وصال ما أمر الله به، وإفسادهم في الأرض.
فيضل السؤال ولا يجيبه أحد، حيثُ لا عتبى، ولا شفاعة ولا عدل ( *فدية* )
هذه الصورة المرعبة التي جلتها آيات القرآن الكريم عن حال المجرمين تنعكس ظلالها على وعي أهل السودان، ويرونها كالشمس في ضحاها تتطابق تماما مع حال ( *الجنجويد* ) الذين تورطوا في حرب السودان ، وملأوا اشرعتهم هواء ، وأسرفوا في الأماني، وغرّتهم مقدمات الحرب بأنهم بالغون منتهاها لا محالة، تؤزهم أصوات المحرضين أزًّا، تجمّل قبح ما فعلوه، وتبرر سيء ما إقترفوه وتدلّهم على الطرقات، وتحشدهم في المحاور وتدعوهم لإقتحام المُدن ، وإستباحة القُرى، وقهر الإنسان، وإخلاء البلد من أهله؛ لأن أهلًا جُدد قد وقفوا بالباب ليدخلوا هذه الأرض المباركة ( *أرض النيل* ).
جاؤوها على وعد بلفور الجديد ( *البعاتي* ) من ظُلمات الأرض في أفريقيا، ومن مجاهل صحاريها القاسية، ومكوناتها البشريّة المتوحشة، جاؤوا هكذا كقطعانٍ من الكلاب البريّة، بمخالب من غدرٍ وأنياب بلا شفقة، أو كسربٍ من جراد كأنه غيمةُ عذابٍ حلّت بدار قومٍ كفروا بأنعم الله عليهم.
هذا المدّ البشريّ الكثيف، المسلّح، العنيف الذي لا يعرف غير لغة الرصاص، ولا يعبأ بقيود الأخلاق، ولا يملك خاصية بشريّة مفطورة على شيءٍ من الشفقة والرحمة، فمضوا كالسيل الجارف، والوباء القاتل، والإعصار المدمّر، تُوجههم أصوات القادة والمستشارين ( *من على البُعد* ) إستلموا الخرطوم، أهجموا القيادة، المدرعات، المهندسين والإشارة.
إنتشروا في الجزيرة، سنار، النيل الأزرق والقضارف.
عليكم بشندي، وعطبرة، والدامر، والمتمّة، ومروي، ودنقلا، يجب محوها من على الخريطة، لا ترحموا فيها صغيرًا أو كبيرًا؛ لأن سودانًا جديدًا يجب أن يقوم على أنقاض السودان القديم ( *دولة ٥٦* ) وبالتأكيد المقصود الإنسان وليس غيره، في مشروع آل دقلو، والمؤامرة الدولية، التي وفّرت من السلاح ما تنوء به الدول ذات القوة، إذ كشفت هذه الحرب عن عتادٍ ثقيل، ومتنوع وحديث، ومركبات مدرعة، ودبابات، وصواريخ، وأجهزة إتصالات، ومنظومات تنصّت، وتشويش، وملابس، وأغذية، وأدوية، ومساعدات أخرى كثيرة، كلّها حاضرة وبوفرة، الأمر الذي يؤهل ( *العصابة* ) على إحداث فرق نوعيّ وكميّ في ميدان المعركة.
نعم هكذا بدأ الأمر، وإستدرج الإغراء الجنجويد للخوض إلى الأعمق في بحر المجهول، الذي لم يحسبوا له غير ترخيصات قادتهم، وتهوين الأمر وإستسهال المهمة، ولذلك طفحت وسائط الإعلام بهكذا معنى، ومضى القحاطي( *بكري الجاك* ) يدعو البرهان والكباشي وياسر العطا، يدعوهم للإستسلام للدعم السريع، خفضًا للتكلفة على جيشهم، وحفاظًا على أرواحهم، رابتًا على أكتافهم ( *المليئة بالدبابير والعلامات* ) بأنّ الإستسلام ليس عيبًا؛ فقد إستسلمت من قبلُ اليابان، نعم والله تجرأ هذا الصعلوك الخنفس أن يبلغ هذا المقدار من التجني والوقاحة.
إمتد أجل الحرب لعامين كاملين، تجلّت فيهما حماقة الجنجويد، وشجاعة القوات المسلحة، واتضح فيها غباء الجنجويد، وذكاء وفطنة الجيش، وليس من وجه للمقارنة في الأصل حتى لا تكتسب المليشيا ( *حذية* ) مع الجيش، ولكنّ الشاهد أن القوات المسلحة قد أطعمت دهري الحرب مئات آلاف الهلكى من الجنجويد حتى ضاقت الميادين والأزقّة والدروب بأجداثهم المنتنة.
وقلب الجيش معادلات القتال، وإنتقل من الدفاع العدائي إلى التعرّض الواسع والعميق، وشغل المحاور كلها في توقيت متزامن، وغلق منافذ الإمداد والفزع، وضرب سياجًا من الحصار البعيد للحدود السودانية الغربية والشمالية الغربية، حيثُ روافد الدعم الدولي والإقليمي للجنجويد.
عمليّات الجيش وضعت يدها على مخزونات كبيرة من مؤن القتال، الأمر الذي أخلى يد المليشيا من القُدرة على التعويض.
فبدأت عمليات التراجع المتسارع لفلول الجنجا ( *والفلول هنا بمعنى الكلمة الحرفي لا الإسقاط السياسي* ) بمعنى جماعة الجُند الهاربين لا يلوون على شيءٍ ( *عرييييد* )
وقد بدأ ذلك من شهر نوفمبر العام الماضي في عمليات الدندر، والسوكي، وسنجة، وتلتها ولاية الجزيرة، ومن يومها لم تجد المليشيا عافية برغم الطَرق الشديد على رأسها، والدعاية المكثّفة، والتبريرات المكررة لدرجة الإسفاف، وكُل ذلك لم ينفع؛ حيثُ ظهر الضعف في مجمل الأداء الميدانيّ، وغياب القادة، وهلاك المرتزقة المكلّفين بأعمال نوعيّة.
خرائط القوات المسلّحة العملياتية وأقلام التأشير بالليزر الأحمر، والعيون المدققة التي تلمع بوميض الذكاء، والتداول الهادئ الرزين للموقف الإستخباري، والعملياتي،
وعرق الصبر البارد على الجباه، كلّها عمليات مخاض ذهني تلدُ فكرًا عسكريًا مصمتًا بلا فرقعة فراغ.
حيثُ كان الرسم الهندسي لإخلاء الجنجويد يبدأ من بعيد، مثل عمليات ( *السلخ* ) ثم تنتهي بالرأس في القصر الجمهوري.
كُل هذا والجنجويد لا يُدركون خطورة ما هُم عليه مقبلين، تشغلهم تخريفات طبيق، وعمران، وتخريجات قجّة ويأجوج ومأجوج الساخرة، حتى إذا أفاقوا وجدوا كل الجسور مغلقة بإرادة الرجال، وغلبوا في كل موقع وانقلبوا صاغرين،
يسألون ولسان حالهم يردّد هل إلى خروج من سبيل ؟؟
والجواب يأتيهم من كل دم سفكوه، وعرض إغتصبوه، وروح أزهقوها، ومال نهبوه، وكرامة أذلوها، وديار أخرجوا منها أهلها.
يأتيهم من كل قائم حطموه، وعامرٍ خربوه، وحياة بدلوها باللجوء والنزوح، يأتيهم من صرخات الخوف، ودموع الأسى، وآهات الحسرة، ولسع السياط على ظهور الأبرياء، وحرمان الأسرى بلا حقٍ من أسباب الحياة.
يأتيهم من مظالم وجرائم في حق الشعب السوداني
لا تُنسى أبدًا، ولا سبيل للتسامح معها.
يجب القصاص منهم إذا أراد الشعب حياة آمنة مستقرة ( *ولكم في القصاص حياة يا اولوا الالباب لعلكم تتقون* )

الآن وأصوات القادة والمستشارين تناديهم بالصبر والثبات وتحذّرهم مغبة الهروب لأن الجيش سيلاحقهم إلى دارفور،
وهى التي زيّنت لهم بالأمس التوغل وأغرتهم بالمخاطرة، ولكن هيهات فقد فات الأوان، فإنك يا ( *طبيق* ) لن تُسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين.

هؤلاء الأشاوذ دونهم الدول الأفريقية التي أتوا منها، لأن مُدن الحواضن في دارفور لن تكون عاصمًا من الطوفان القادم.
الحمد لله، فأما الخرطوم فقد أُخرجوا منها، ومهما كانت نواياهم فالقوات المسلّحة منتبهه ومسيطرة على الأحداث بفضل الله.

لا خروج أيها المجرمون.

لا سبيل.
ستبقون لتلقوا حتوفكم الحتمية جزاء وفاقًا.

*جيش يبرد الحشا*
*ويرد الكرامة*
*ويشفى الصدور*

*ولا غالب الا الله*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى