
رسالة من جنجويدي لقائده ، غايةً في الصدق والبيان ، محفوفةً بمشاعر الإنتماء ، نابضةً بأخوة الدم ، موشاةً باخلاص الجندي الوفي ، أطلق فيها هذا الجنجويدي عِقال لسانه ، ونبذ الخوف والتحفظ وراءه ، لأنه أراد كتفاً يتكئ عليه ، وأُذنا يبثها مكابدته الخوف الذي يظلله ، والهاجس الذي تلبسه ، وحالة ( الرعب) التي رءاها وعايشها بين صفوف ( الأشاوذ) ، بدأها بالتحيات الخاصة ، صدقةً بين يدي سرده الماتع للغاية ، ولغته المؤيدة بالشدّ ، والضمِّ ، والمدِّ ، في ما يشبه اللحن المصاحب للحروف حتى يؤكد المعنى المراد .
قال ( قاعدين أم قنقوزية ) وهي جلوس الرجل المتعجل ، تشبه حالات الاستعداد للإنطلاق في مضمار الأولمبياد في منافسات الجري ( الدقاق ) بمعنى السريع ، وهى دلالة على عدم الإستقرار ، وعدم الإطمئنان والتوهط والإستراحة في المجلس .
ثم شرح له بما يشبه تقرير الموقف في العمليات ، هروب العربات المسلحة بالثنائيات ، والدوشكات ، ( بس ناس فااازييييين الفزيز الوااااحد دا والله )
لدرجة أنهم بجيبوا ليك خمسمية نفر بسلحوهم الصباح ما بتلقى منهم زول .
ذكر له عدم وجود ( القادات ) فقط حكمدارات ، أول ما البندق تدور بجري بخلي الناس ،
والناس دي الرعب خشاها ، البتلقاهو كله بقول ليك أنا ما بموت هنا .
الضباط كل زول لم عياله وعيال أخوانا ، وجاهزين للفزيز .
لو في قوات تجي من بره تفزع الناس يكون كويس ، لكن كان مافي ، الخرطوم تاني ما بلتزم الناس ، الخرطوم خليها ، دارفور زاتا تاني ما بتلزم الناس ، بمعنى لن تكون لهم ملاذاً ومستقراً .
ثم ختم رسالته الصوتية لقائده أوصاه فيها بالحذر ، وأكد أنه تحت أمره في حالة الرغبة في الخروج من السودان ، وكذلك إذا قرر القتال حتى الموت هنا .
هذه الرسالة تعتبر وثيقةً صوتيةً ، تُدون في محضر ( الإعتراف بالهزيمة ) لأنها تحتوى كل العناصر التى تسندها وتستوفيها ، وغيرها كثير من الأحاديث التى تدور في ( قروبات الجنجويد) تتناول ما آل اليه الحال ، وتتبادل اللوم بينها ، منهم من علقه في عاتق القادة ( القادات كما يسمونهم) ومنهم من رده الى نحور الظهير السياسي ( القحاطة) بأنهم مارسوا معهم الخداع ، وأوردوهم المهالك ، وزينوا لهم المغامرة ، وحضوهم على هذا الفعل ، بل منهم من ذهب أعمق من ذلك ، وطعن في الفيل مباشرة ، وأثار التساؤلات الممنوعة ( أين القايد حميدتي؟؟ ) وهو السؤال الصعب الذي لا يجرؤ أحد الإجابة عليه ، حتى المستشارين ( طبيز ، حمدان ، وقيادات قحط بما فيهم حمدوك ) كلهم تتغشاه الرعدة ،عندما يواجهون بالسؤال في الفضائيات ، أين حميدتي ، يقرون بحياته وأنه في الميدان يقود الأشاوذ ، ولكن لجلجة الكذب تأبى الا أن تفضحهم ، إذ لا يمكن عقلا ، أن يلوذ قائد سياسي وعسكري ، لقوة بقوام ( الدعم السريع ) طامعة في هزيمة الجيش الوطني ، واستلام السلطة ، وحكم السودان ، لا يستقيم أن يتخذ قائدُها ملاجئ ومغارات يلوذ فيها ، من ثالث أيام الحرب ، لم يظهر حتى الآن والحرب تلفظ أنفاسها بهزيمة قواته ، لا يظهر الا في تسجيلات صوتية باردة ، وفديوهات مفبركة ، لا تفوت على فطنة أحد ، لأن المكان الطبيعي للقائد في المعركة المصيرية هو بين جنوده ، وهم يرون قادة الجيش السوداني وعلى رأسهم القائد العام طوّافين بين المواقع ، والمدن ، ممكسين بأعنة الأحداث ، مشرفين على غُرف العمليات ، تطبيقاُ لحق الوظيفة ، وواجبات الرتبة .
والشعب خير شاهد على انحيازه للصف الوطني ، محبةً في الجيش ، وثقةً في قيادته ، واطمئناناً في معيته ، بعكس أؤلائك القتلة المجرمين ، يفرُّ الناس من أمامهم خشية بطشهم ، واتقاء شرهم ، حيثما حلوا ، سالت الدماء ، وانتُهكت الأعراض ، ونُهبت الأموال .
ولأنه لكل ظالمٍ نهاية ، حان وقت القصاص منهم ، بعدما انهزموا ، و( عردوا ) ستتم ملاحقتهم حيث ما كانوا ، حتى يتم القضاء عليهم قضاءاً مُبرماً ، ليستريح الناسُ من شرهم .
وكما قال الجنجويدي في رسالته الصادقة ، الخرطوم خليها ، تاني دارفور زاتا ما بتلزم الناس .
شكراً جيشنا العظيم الذي يبث الإحساس بالعزة ، ويبعث الطمأنينة ، ويألف ، ويُؤلف .
فأذا جاء أمر الله قُضي بالحقِّ وخسرَ هنالك المبطلون .