راي

“زيارة انهارت في صمت: كيف أطاح قنصل السودان بجدة بفرصة دبلوماسية نادرة لرئيس الوزراء”

الهادي قرن*

 

في مشهد يعكس هشاشة التنسيق المؤسسي داخل بعض مفاصل الدولة السودانية، تحوّلت زيارة رئيس الوزراء السوداني د. كامل إدريس إلى المملكة العربية السعودية من فرصة دبلوماسية واعدة إلى أزمة مكتومة، كان بطلها القنصل السوداني بجدة كمال علي عثمان. فبحسب مصادر متطابقة وتقارير إعلامية محلية، فإن القنصل لعب دوراً محورياً في إفشال الزيارة، عبر تجاوزات إدارية وتنظيمية أثارت جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والدبلوماسية.

وصل رئيس الوزراء إلى مطار المدينة المنورة في زيارة رسمية تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين السودان والمملكة، ومناقشة ملفات استراتيجية تتعلق بالاستثمار، والحج، والتعاون الأمني. إلا أن الاستقبال الذي نظّمه القنصل كمال علي عثمان لم يكن مجرد مراسم بروتوكولية، بل كان بداية لسلسلة من الأحداث التي قلبت جدول الزيارة رأساً على عقب.

فبدلاً من الالتزام بالبرنامج الرسمي الذي أعدته رئاسة الوزراء بالتنسيق مع الجهات السعودية، قام القنصل بترتيب لقاءات وزيارات غير مدرجة، شملت شخصيات ومواقع لا علاقة لها بالهدف الأساسي للزيارة. هذا التلاعب بالجدول الرسمي أدى إلى إرهاق رئيس الوزراء، الذي اضطر إلى دخول المستشفى لتلقي العلاج، مما ترتب عليه إلغاء عدد من اللقاءات المهمة مع مسؤولين سعوديين.

تشير مصادر متعددة إلى أن القنصل كمال علي عثمان كثيراً ما يتحدث عن علاقته الوثيقة برئيس الوزراء، ويستخدم هذه العلاقة كأداة ضغط لتحقيق مصالح شخصية ومصالح مقربين منه. بل وصل الأمر إلى إصدار توجيهات وقرارات باسم رئيس الوزراء دون علمه، في سابقة خطيرة تكشف عن خلل في منظومة الرقابة الإدارية والدبلوماسية.

ومن أبرز هذه القرارات، ما يتعلق بإقالة الأمين العام للمجلس الأعلى للحج والعمرة، الأستاذ سامي الرشيد أحمد. فبحسب الرواية المتداولة، حاول القنصل ابتزاز الرشيد باستخدام مستندات مسروقة تتبع لمجلس السيادة، حصل عليها بالتعاون مع الملحق الإداري الذي تم نقله من جدة إلى بورتسودان. وقد رفض الرشيد الرضوخ لهذه المساومة، مما دفع القنصل إلى استغلال علاقته برئيس الوزراء لاستصدار قرار بإعفائه من منصبه.

القصة لا تنتهي عند هذا الحد، بل تتشعب لتكشف عن تواطؤ محتمل من وزير الشؤون الدينية والأوقاف، الذي تبرع بجلب قرار الإعفاء من مجلس الوزراء وتسليمه للأمين العام، دون أن يتم الإعلان عنه رسمياً في الإعلام الحكومي. ويُعتقد أن هذا التكتّم جاء خشية إثارة غضب أعضاء مجلس الأمناء ومنسوبي المجلس، خاصة في ولاية النيل الأزرق التي ينتمي إليها الأستاذ سامي الرشيد.

هذا التواطؤ، إن صحّت الرواية، يمثل انتهاكاً صارخاً لمبدأ الشفافية، ويطرح تساؤلات حول مدى استقلالية القرار الإداري في السودان، ومدى قدرة المؤسسات على حماية موظفيها من الابتزاز السياسي.

ما حدث خلال زيارة رئيس الوزراء يكشف عن أزمة ثقة عميقة داخل أجهزة الدولة، حيث تتداخل العلاقات الشخصية مع القرارات الرسمية، وتُستخدم المناصب الدبلوماسية كمنصات لتحقيق مصالح ضيقة. فبدلاً من أن تكون القنصليات واجهة للدولة في الخارج، تتحول أحياناً إلى ساحات للصراعات الداخلية، مما يضر بصورة السودان أمام شركائه الدوليين.

إن إفشال زيارة بهذا الحجم، وفي توقيت حساس، لا يمكن اعتباره مجرد خطأ إداري، بل هو مؤشر على خلل بنيوي يتطلب مراجعة شاملة لآليات التعيين والرقابة داخل السلك الدبلوماسي. كما أن استغلال النفوذ والعلاقات الشخصية في إصدار قرارات مصيرية، مثل إقالة مسؤول رفيع، يهدد مبدأ العدالة ويقوّض ثقة المواطنين في مؤسساتهم

من اللافت أن هناك تقارير رسمية أخرى تشير إلى أن القنصل كمال علي عثمان كان ينفذ توجيهات مباشرة من رئيس الوزراء خلال موسم الحج، وشارك في جولات ميدانية لتفقد أوضاع الحجاج السودانيين، بالتنسيق مع المجلس الأعلى للحج والعمرة، بما في ذلك الأستاذ سامي الرشيد نفسه. هذا التناقض بين الروايات يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة: هل نحن أمام صراع مصالح أم سوء فهم إداري؟ وهل هناك جهات تحاول تصفية حسابات داخلية عبر تسريب معلومات مضللة؟

في ظل هذه المعطيات، يصبح من الضروري فتح تحقيق شفاف ومستقل لكشف ملابسات ما حدث، وتحديد المسؤوليات بدقة. كما يجب إعادة النظر في طريقة إدارة العلاقات الدبلوماسية، وضمان أن تكون القنصليات أدوات لتعزيز صورة السودان، لا لتشويهها.

إن ما حدث ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو جرس إنذار يجب أن يُسمع جيداً في أروقة الدولة. فالدبلوماسية ليست مجالاً للمجاملات أو العلاقات الشخصية، بل هي واجهة وطنية تتطلب أعلى درجات الانضباط والاحترافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى