راي

العلاقة الأخوية بين الكبابيش والهواوير بمحلية الدبة… أنموذج للتعايش والتكافل

 

في وطنٍ جُبِلَ أهله على الفطرة السليمة والتسامح الفريد، تظل الروابط بين القبائل السودانية عاملاً حاسماً في صناعة السلم المجتمعي والاستقرار الأهلي. ومن بين تلك النماذج المشرقة، تبرز العلاقة الأخوية بين قبيلتي الكبابيش والهواوير في الولاية الشمالية – محلية الدبة، كأحد الشواهد الحيّة على عمق التلاحم الوطني وتجاوز القبلية الضيقة.

فليست العلاقة بين القبيلتين وليدة ظرف طارئ أو تحالفٍ سياسي، بل هي امتداد تاريخي عميق تشكل عبر المجاورة والمصاهرة وتقاسم الموارد، ومضى يعمق أواصر التعاون في الملمات والأزمات. في مناطق مثل القرير، وادي الملك، وأمري الجديدة وغيرها من قرى المحلية، تتجاور بيوت الكبابيش والهواوير كما تتجاور القلوب على حب الخير ومكارم الأخلاق.

لقد برز هذا التلاحم في أبهى صوره خلال فترات النزوح والاضطرابات الأخيرة، حيث فتح أهل الهواوير بيوتهم لأشقائهم الكبابيش، كما رد الكبابيش الجميل بمواقف إنسانية عظيمة، جسدت معنى “الجيرة في الله”، وتجاوزت حدود الانتماء العرقي إلى الانتماء لقيم الكرم والتكافل.

ولم تتوقف هذه العلاقة عند حدود التضامن الاجتماعي، بل امتدت لتشمل العمل المشترك في التنمية المحلية، من حفر للآبار، وبناء للمدارس والمساجد، ومبادرات لخدمة المجتمع. كما شكّلت القبيلتان مجالس أهلية مشتركة تقوم على الحكمة والعدالة، وتُعنى بحل النزاعات وتثبيت ثقافة السلام.

في زمنٍ تتنازع فيه المجتمعات هوياتها، وتُغذّى الانقسامات بالسياسة والإعلام، يحق لنا كسودانيين أن نفتخر بمثل هذه التجارب، التي تعيد تعريف القبيلة بأنها منصة للتكامل لا للتصادم، وركيزة بناء لا معول هدم.

وإننا إذ نُحيي أهلنا من الكبابيش والهواوير بمحلية الدبة، فإننا نناشد القبائل السودانية كافة أن تحذو حذوهم، وأن تُعلِي من قيمة الروابط المجتمعية، وأن تتجاوز جراح الحرب بالتركيز على ما يجمع لا ما يفرق.

فالوطن، كما قال الأديب الطيب صالح: “هو ذلك الشيء الذي يسكن فينا قبل أن نسكن فيه”… ولن يسكن فينا السلام ما لم نسكن نحن في محبة بعضنا البعض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى