
الرواية الشعبية أو الأقصوصة التي تتداولها المجتمعات غالباً ما تُعبر عن مكنون الوعي والضمير الجمعي لهذه المكونات ، تنسجها بعناية ، وتستودعها ما تحبه أو ما تخشاه في سردية ماتعة ، تستخدم فيها الإشارات ، والصور التَخيُلية ، ثم تنشرها للتداول في مجالس الأنس ، وتصبح ضمن ودائع الأجيال ، وموروثات الثقافة ببعدها الشعبي .
بطلنا اليوم هو السلطان ( اومار آمني الشهير بكسيفروك ) سلطان الداجو ، المملكة الشهيرة في تاريخ السودان الممتدة بين القرن الحادي عشر وحتى الخامس عشر الميلادي ، في المنطقة الممتدة من كردفان جنوباً ودارفور حتى نهر شاري في تشاد ، وقد قرر السلطان الطاغية كسيفروك ، أن ينقل جبل أم كردوس من سلسلة جبال النوبة ، ينقله الى جبال الداجو ، لانه رآه منعزلاً عن بقية السلسلة الجبلية ، حتى ( يتونس مع أخوانو ) ، وقد عانى الناس أشدّ المعاناة وهم يُنفذون هذا الأمر المستحيل ، حتى جاءتهم إمرأة نابهة وشاعرة ( حكامة ) فاستفزت السلطان وأغرته أن يمتطي ظهر ( التيتل ) حتى يتميز عن سائر الناس في ركوب الخيل والجمال والحمير والبغال .
ومباشرة قبل السلطان ( *الغشيم* ) التحدي ، وجيئ له ( *بتور* *تيتل* *قاصع* ) ، ثم أوحت الحكامة واسمها ( *أم* *شويحة* ) أوحت بربط حزام الأمان ، وهو جلد حمار لين ، يٌفصّل على شكل سُيور ، وفعلاً تمّ إحكام ربط السلطان ( *حميدتي* ، أو *كسيفروك* ) على ظهر التيتل البري المتوحش ، وأطلقوا سراحة ، وانطلق جامحاً يسابقُ الريح ، يصطدم بالأشواك وبين الأشجار ، وكانت تلك آخرُ مشاهدةٍ للناس مع السلطان ، الذي تمزق إرباً . وتقول الرواية إن رأسه وُجدَ في منطقة قارسيلا و التي تعني بلغة الداجو ( *رأس* *السلطان* ).
نحاول أن نُسقط أحداث ومضامين هذه الرواية ، على السلطان الجائر ( *حميدتي* ) وكيف أنه ساس مملكة من المال والرجال والأوهام والتخيلات ، تمتد من قاعدة الزرق في أقصى شمال دارفور ، وقاعدة في كل ولاية من ولايات السودان ، ويمتلك مناجم الذهب في جبل عامر ، وأكثر من ثلاثة عشر منجماً في سونغو بمنطقة الرودم ، لمصلحة شركة الجنيد ، ومنافذ للتصدير غير المقنن عبر المطارات ، وله شراكات كبيرة مع البنوك المحلية والعالمية في الإقليم ، ونحواً من ستة وستين شركة أغلبها في الإمارات العربية ، ويملك ( *السلطان* *الجائر* ) أكثر من عشرة آلاف سيارة ومعدة قتال مسلحة بأحدث أنواع السلاح ، الذي لا يتوفر لبعض الجيوش ، الأمر الذي جعل كثيراً من الأفئدة ( *الهواء* ) تهوي اليه رغبة في ماعنده من مال وجاه ، وبالتالي اجتمع له من الأسباب ما لم يسبق لأحد من السابقين في السودان ، لأنه امتلك جيشه الخاص ، وموارده المالية الضخمة الخاصة ، ودانت له كثير من الرقاب ، في مجالات متعددة ، أحزاب سياسية ، وإعلاميين ، وإدارة أهلية ، وطرق صوفية ، ومنظمات شبابية ، ومفوضية أراضي خاصة ، حتى أكتمل زُخرفُه تماماُ ، وتزيَن وتبختر في خُيلائه ، وظنّ أنه قادر على ما لم يقدر عليه أحد .
هنا تَجلّ إغواءُ الحكامة ( *أم* *شويحة* ) التي تُمثل دورها في هذا المسرح تمثله ( *قحط* ) وشٌلة المزرعة ، واليسار العلماني ، الذين أثروا ليالي ( *السلطان* ) بروائع القصص والحكايات ، المحرضة على ( *المغامرة* ) وهم يغمزون من طرفٍ خفي ، ينظر بعضهم الي بعض ، هل سيبتلع السلطان الطُعم ، قَصُوا عليه كيف أن الدعم السريع أطال عمر الإنقاذ الوطني بتفانيه في حرب الحركات المسلحة ، وكيف أنه يقبض الطريدة ولا يُرمى له الا الرأس والأحشاء ( الكمونية) ، وأعادوا ذكرى مواقعه وغزواته ، التى كانت آخرها ( معركة قوز دنقو في العام ٢٠١٥م ) .
سردوا عليه سير وأخبار القادة والحُكام في دول إفريقيا المجاورة ، كيف أن إدريس دبي هزم جيش حسين حبري في تشاد عام ١٩٩٠م واستلم الحكم وما يزال ابنه الوريث حاكماً ،
وكيف هزم كابيلا ، في زائير هزم موبوتو ، وأعاد حتى تسمية البلد الى الكنغو الديمقراطية ،
وكيف أن ميشال دوتوديا في إفريقيا الوسطى قد هزم جيش الرئيس بوزيزيه واستولى على الحكم .
ولما توغل الليلٌ وظهر أثر السرد والسحر على ( *السلطان* ) فهم المغزي ، ولكنه قال بحذر الحصيف ، وما المطلوب ، تنفست ( *أم* *شويحة* *الصعداء* ) فقد مسك الشرك ، قال ( *القحاطة* ) أنت رجل ثوري ، تؤمن بمبادئ ثورة ديسمبر المجيدة ، وتدافع عن الإطاري ، الذي يمثل إجماع المجتمع الدولي ، بوجود فولكر من الأمم المتحدة ، والرباعية ، والترويكا الاوربية ، بريطانيا ، فرنسا ، المانيا ،
ومعنا شباب الثورة ، والكنداكات .
والمطلوب بصراحة حضرة السلطان تجرب ركوب ظهر المغامرة التي لم يسبقك اليها أحد ، إذ لم يجرؤ أحد بمحاربة الجيش السوداني والنيل منه ، طوال عمر السودان منذ الاستقلال ، فنحن ( *القوى* *الثورية* *الحية* ) الممثل الشرعي والوحيد للشارع السوداني ندعوك لركوب( *التيتل* ) ونحن معك ولن نخذلك أبداً أبداً .
وهكذا جيئ بالتيتل ، وخلع حميدتي البوريه والسايد كاب ، واعتمر الكدمول لإعتبارات السرعة واتجاه الرياح ، وثم توثيق ( *السلطان* ) بقصائد شاعر الثورة أزهري ، وأهازيج شباب اليسار أمثال العرقي يكون مجان ، ولوحت بعض الكنداكات باشارت البذاءة ، و( *تفجفج* ) الرجل في السرج ، انتابته خوفه ، فتردد في الدخول الى القصر ، ولكن فات الأوان ، تيتل بلا كوابح ، ولا يعرف لغة تواصل البشر مع الدواب مثل ( إخ للجمل ، ووش حاااو للحمار ، أو دي وهش للحصان أو غيرها من أدوات التواصل بين الانسان والحيوان )
وقد تمزق الرجل ، وجيشه ، وعتاده ، وماله ، وسلطانه ، وسطوته ، وأحلامه ، وأوهامه ، وعقاراته ، وتفرق أنصاره ، وباد ملكه ، ولا يعلم أحد الى الآن ( *أين* *حميدتي* )
كلما سُؤل أحدٌ من مستشاريه هذا السؤال ، رأيت أعينه تدور من غشية الخوف .
تيتل الجيش غير مسخر للركوب يا كسيفروك يا حميدتي
نٌحي من قلوبنا جيشنا الفتي
والنصر للسودان وشعبه
الخزيي والخذلان لأركان المؤامرة