راي

حميدتي* *وركوب* *التيتل*

لواء ركن ( م) د. يونس محمود محمد

 

الرواية الشعبية أو الأقصوصة التي تتداولها المجتمعات غالباً ما تُعبر عن مكنون الوعي والضمير الجمعي لهذه المكونات ، تنسجها بعناية ، وتستودعها ما تحبه أو ما تخشاه في سردية ماتعة ، تستخدم فيها الإشارات ، والصور التَخيُلية ، ثم تنشرها للتداول في مجالس الأنس ، وتصبح ضمن ودائع الأجيال ، وموروثات الثقافة ببعدها الشعبي .
بطلنا اليوم هو السلطان ( اومار آمني الشهير بكسيفروك ) سلطان الداجو ، المملكة الشهيرة في تاريخ السودان الممتدة بين القرن الحادي عشر وحتى الخامس عشر الميلادي ، في المنطقة الممتدة من كردفان جنوباً ودارفور حتى نهر شاري في تشاد ، وقد قرر السلطان الطاغية كسيفروك ، أن ينقل جبل أم كردوس من سلسلة جبال النوبة ، ينقله الى جبال الداجو ، لانه رآه منعزلاً عن بقية السلسلة الجبلية ، حتى ( يتونس مع أخوانو ) ، وقد عانى الناس أشدّ المعاناة وهم يُنفذون هذا الأمر المستحيل ، حتى جاءتهم إمرأة نابهة وشاعرة ( حكامة ) فاستفزت السلطان وأغرته أن يمتطي ظهر ( التيتل ) حتى يتميز عن سائر الناس في ركوب الخيل والجمال والحمير والبغال .
ومباشرة قبل السلطان ( *الغشيم* ) التحدي ، وجيئ له ( *بتور* *تيتل* *قاصع* ) ، ثم أوحت الحكامة واسمها ( *أم* *شويحة* ) أوحت بربط حزام الأمان ، وهو جلد حمار لين ، يٌفصّل على شكل سُيور ، وفعلاً تمّ إحكام ربط السلطان ( *حميدتي* ، أو *كسيفروك* ) على ظهر التيتل البري المتوحش ، وأطلقوا سراحة ، وانطلق جامحاً يسابقُ الريح ، يصطدم بالأشواك وبين الأشجار ، وكانت تلك آخرُ مشاهدةٍ للناس مع السلطان ، الذي تمزق إرباً . وتقول الرواية إن رأسه وُجدَ في منطقة قارسيلا و التي تعني بلغة الداجو ( *رأس* *السلطان* ).
نحاول أن نُسقط أحداث ومضامين هذه الرواية ، على السلطان الجائر ( *حميدتي* ) وكيف أنه ساس مملكة من المال والرجال والأوهام والتخيلات ، تمتد من قاعدة الزرق في أقصى شمال دارفور ، وقاعدة في كل ولاية من ولايات السودان ، ويمتلك مناجم الذهب في جبل عامر ، وأكثر من ثلاثة عشر منجماً في سونغو بمنطقة الرودم ، لمصلحة شركة الجنيد ، ومنافذ للتصدير غير المقنن عبر المطارات ، وله شراكات كبيرة مع البنوك المحلية والعالمية في الإقليم ، ونحواً من ستة وستين شركة أغلبها في الإمارات العربية ، ويملك ( *السلطان* *الجائر* ) أكثر من عشرة آلاف سيارة ومعدة قتال مسلحة بأحدث أنواع السلاح ، الذي لا يتوفر لبعض الجيوش ، الأمر الذي جعل كثيراً من الأفئدة ( *الهواء* ) تهوي اليه رغبة في ماعنده من مال وجاه ، وبالتالي اجتمع له من الأسباب ما لم يسبق لأحد من السابقين في السودان ، لأنه امتلك جيشه الخاص ، وموارده المالية الضخمة الخاصة ، ودانت له كثير من الرقاب ، في مجالات متعددة ، أحزاب سياسية ، وإعلاميين ، وإدارة أهلية ، وطرق صوفية ، ومنظمات شبابية ، ومفوضية أراضي خاصة ، حتى أكتمل زُخرفُه تماماُ ، وتزيَن وتبختر في خُيلائه ، وظنّ أنه قادر على ما لم يقدر عليه أحد .
هنا تَجلّ إغواءُ الحكامة ( *أم* *شويحة* ) التي تُمثل دورها في هذا المسرح تمثله ( *قحط* ) وشٌلة المزرعة ، واليسار العلماني ، الذين أثروا ليالي ( *السلطان* ) بروائع القصص والحكايات ، المحرضة على ( *المغامرة* ) وهم يغمزون من طرفٍ خفي ، ينظر بعضهم الي بعض ، هل سيبتلع السلطان الطُعم ، قَصُوا عليه كيف أن الدعم السريع أطال عمر الإنقاذ الوطني بتفانيه في حرب الحركات المسلحة ، وكيف أنه يقبض الطريدة ولا يُرمى له الا الرأس والأحشاء ( الكمونية) ، وأعادوا ذكرى مواقعه وغزواته ، التى كانت آخرها ( معركة قوز دنقو في العام ٢٠١٥م ) .
سردوا عليه سير وأخبار القادة والحُكام في دول إفريقيا المجاورة ، كيف أن إدريس دبي هزم جيش حسين حبري في تشاد عام ١٩٩٠م واستلم الحكم وما يزال ابنه الوريث حاكماً ،
وكيف هزم كابيلا ، في زائير هزم موبوتو ، وأعاد حتى تسمية البلد الى الكنغو الديمقراطية ،
وكيف أن ميشال دوتوديا في إفريقيا الوسطى قد هزم جيش الرئيس بوزيزيه واستولى على الحكم .
ولما توغل الليلٌ وظهر أثر السرد والسحر على ( *السلطان* ) فهم المغزي ، ولكنه قال بحذر الحصيف ، وما المطلوب ، تنفست ( *أم* *شويحة* *الصعداء* ) فقد مسك الشرك ، قال ( *القحاطة* ) أنت رجل ثوري ، تؤمن بمبادئ ثورة ديسمبر المجيدة ، وتدافع عن الإطاري ، الذي يمثل إجماع المجتمع الدولي ، بوجود فولكر من الأمم المتحدة ، والرباعية ، والترويكا الاوربية ، بريطانيا ، فرنسا ، المانيا ،
ومعنا شباب الثورة ، والكنداكات .
والمطلوب بصراحة حضرة السلطان تجرب ركوب ظهر المغامرة التي لم يسبقك اليها أحد ، إذ لم يجرؤ أحد بمحاربة الجيش السوداني والنيل منه ، طوال عمر السودان منذ الاستقلال ، فنحن ( *القوى* *الثورية* *الحية* ) الممثل الشرعي والوحيد للشارع السوداني ندعوك لركوب( *التيتل* ) ونحن معك ولن نخذلك أبداً أبداً .
وهكذا جيئ بالتيتل ، وخلع حميدتي البوريه والسايد كاب ، واعتمر الكدمول لإعتبارات السرعة واتجاه الرياح ، وثم توثيق ( *السلطان* ) بقصائد شاعر الثورة أزهري ، وأهازيج شباب اليسار أمثال العرقي يكون مجان ، ولوحت بعض الكنداكات باشارت البذاءة ، و( *تفجفج* ) الرجل في السرج ، انتابته خوفه ، فتردد في الدخول الى القصر ، ولكن فات الأوان ، تيتل بلا كوابح ، ولا يعرف لغة تواصل البشر مع الدواب مثل ( إخ للجمل ، ووش حاااو للحمار ، أو دي وهش للحصان أو غيرها من أدوات التواصل بين الانسان والحيوان )
وقد تمزق الرجل ، وجيشه ، وعتاده ، وماله ، وسلطانه ، وسطوته ، وأحلامه ، وأوهامه ، وعقاراته ، وتفرق أنصاره ، وباد ملكه ، ولا يعلم أحد الى الآن ( *أين* *حميدتي* )
كلما سُؤل أحدٌ من مستشاريه هذا السؤال ، رأيت أعينه تدور من غشية الخوف .
تيتل الجيش غير مسخر للركوب يا كسيفروك يا حميدتي

 

نٌحي من قلوبنا جيشنا الفتي

والنصر للسودان وشعبه

الخزيي والخذلان لأركان المؤامرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى