
التاريخ الإنساني حافل الفصول بالوقائع والأحداث التي صاغتها أيدي وعقول البشر، ولكل أمة نصيب من ذلك، ولنا في السودان حظ مما حفظه لنا تاريخنا من معاهدات ووثائق، أولاها وأشرفها وأطولها عمرًا معاهدة ( *البقط عام ٦٥١م* ) بين مملكة المقرة، وبين المسلمين الفاتحين، وذلك نتيجة لمحصلة الصراع العسكري، الذي وجد المسلمون إستحالة النصر وذلك لصمود وبسالة أهل السودان ( *النوبة* ) وعليه تم الصلح والإتفاق على تبادل المصالح وحرية الدعوة، حيث إستمرت الإتفاقية نحوا من سبعمائة عام وتعتبر من أطول المعاهدات عمرًا في التاريخ؛ حيث وقّع عليها عبد الله بن سعد بن أبي السرح من جانب المسلمين، ووقع الملك كاديرات عن مملكة المقرة.
ثم عقدت عهود ، وإتفاقيات أيام الإستعمار وإدارة الدولة، وتقسيم النفوذ، وغيرها من الدساتير المؤقتة التي حكمت البلاد عبر الحقب، وإلى أن وقعت واقعة آخر الوثائق ( *الوثيقة الدستورية* ) مثل ( *طراح المعزة في زمن طاعون أبو نيني* ) مختلة النمو حتى في نسق الصياغات القانونية من حيث البناء اللفظي، والقدرة التعبيرية، معيبة المحتوى الإنتقائي المملوء بغرائز الإنتقام، وكأن حال من صاغوها وهم يأتمرون ( *بليلٍ لا يخلو من قارورة* ) يسيل لعاب أفواههم كمفترس جائع ينقضون على نهش خصومهم ( *الإسلام والإسلاميين* ) فإعتنوا جيدًا من خلال فصولها الستة عشر، وفقراتها الثمانية وسبعين، أولاً إستكثروا أن يذكروا إسم الله عليها، افتراءًا عليه حتى لا يماثلوا الإسلاميين في منهجهم بتسمية الله عند كل مبتدأ، وكأن الله هو إله الإسلاميين لوحدهم دون زمرة الغواية هذه، وهم إذ يفعلون ذلك، برفض إسم الله رب العالمين، إنما يمهّدون للفقرات التالية لإلغاء القوانيين الإسلامية، والنظام العام، بمعنى إباحة الخمور والدعارة والشذوذ الجنسي والمثلية بما يسمونه تلطفًا ( *النوع* ) وإعادة الربا للمعاملات البنكية، إستهانةً بوعيد حرب الله على المرابين، وتبديل مناهج التعليم بمحتويات تخل بمسقبل الأجيال، وتحدث التشويش على الإستقرار النفسي والقناعات بين ما هو موجود في المنهج، وبين تدين المجتمع.
هذه الوثيقة يكفيها خزيًا أن من صاغها هم أعداء الله ( *اليسار العلماني* ) ومن وقّعها الهالك ( *حميدتي و أحمد ربيع عن شلة قحط* ).
أما البرهان فقد إعتمدها بتاريخ ٢٠ أغسطس عام ٢٠١٩م ، تحت منطق الواقع المفروض يومها وأنفاس ( *الثوار* ) الحارّة وحالة الفوضى الضاربة والسيولة الأمنية، وإنهيار نظام الدولة، وتوقف الخدمات، وضياع هيبتها، وقّعها فيما ظنّ أنه الخلاص مما هو فيه، ولكن أقدار الله بالمرصاد، إذ جعلت يد البرهان التي عقدت أمر الوثيقة هي التي ستنقضه وأقرب مما ظن الواهمون، بأنهم أمسكوا السودان من ( *قرونه*).
هذه الوثيقة هي الأشبه بوثيقة كفار قريش التي وقعوها في إحتفال حفي في صحن الكعبة، بحضور أربعين من أئمة الكفر، كان ذلك في السنة السابعة من عمر الرسالة، خطّها ( *القحاطي أوانئذ، منصور بن عكرمة العبدري* ) الذي دعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فشُلّت يده، وقوامها وفحواها هو حرب الإسلام وحصار رمزيته، وحرمانهم من البيع والشراء، والتزاوج والإختلاط مع الناس، بمعنى حصار إقتصادي، وإجتماعي، وفتح بلاغات كيدية، ومصادرة الأموال والحرمان من الحقوق الدستورية، والتشهير الإعلامي، والتجريم والحصار، وهذا عين ما نصّت عليه الوثيقة الدستورية، برغم ما بينهما من برزخ الزمان، الأمر الذي يؤكد أن الكفر مِلة واحدة، غير أن وثيقة كفار قريش تفوقت بحسنة واحدة على الوثيقة الدستورية، لإحتوائها على كلمة ( *بإسمك اللهم* ) بينما خلت هذه من أي ذكر لإسم الله تعالى أو أحدًا من أسمائه الحسنى ( *التسعة والتسعون إسمًا* )، فتكفل عدل الله أن يرسل على تلك ( *دابة الأرض* ) فلحستها كلها الا من موضع ( *بإسمك اللهم* )
فإنتهى الحصار من بعد ثلاثة سنوات.
وأما هذه فسلّط الله عليها ( *البرهان* ) فتجاوزها وإنقلب عليها، وشرّد أهلها، وقتل أحد الموقعين عليها، وفرّق جمع من أعدوها، وصاغوها، وغنّوا لها، وإحتفوا بها، وتوعّدوا خصومهم الإسلاميين بنصوصها وأحرقها ونسف للريح ناجس فحواها، فذرته هباءًا في يومٍ عاصف، و( *القحاطة* ) الذين ملأوا الدنيا صياحًا مثل البغاث لا يصدقون ما يحدث لهم، حتى بنادق ( *البعاتي* ) التي قال عنها برمة ناصر بأنها أعلى من بندقية الجيش ، لم تستطع أن تحمي الإطاري، ولا الوثيقة فقط لأن القحاطة لا يؤمنون بقدرة الله وأقداره ، فأقصوا إسمه تعالى من وثيقتهم، فأقصاهم من الحياة السياسية وإلى الأبد إن شاء الله.
أما ما تفضّل به الرئيس البرهان بألا عودة للأحزاب إلا بعد الإنتخابات فذلك أمر لا خلاف عليه، فالفترة التأسيسية أو بأي إسم يجيب أن تكون خالصة لغير الحزبيين ، شريطة أن يحكنوا بذات الروح الوطنية الجامعة ، وأن يعملوا على عدم إفلات المجرمين من العقاب ، وأن يسوسوا الحياة بهداية الدين ، وبعدها تُعقد الإنتخابات بعدما يتعافى الوطن، ويتطهر من رجس الخونة، ويعود الأمن والإستقرار، وتستوي الخدمات، وأهل السودان ليسوا في عجلة من أمرهم الآن لإجراء الإنتخابات.
وفواتح النصر هي التوبة مما ورد في وثيقة قحط .
أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون .