راي

القضية

لـواء ركن ( م ) د. يونس محمود محمد

 

هذه المفردة ( *القضية* ) قضى عليها الجنجويد قضاءًا مبرمًا، قضموها بأضراسهم، مزّقوا دلالتها، لم تعد ذات عملة التداول في مجالس النقاش ومحافل الفكر، عندما ترى ( *الدعامي* ) ينفخ شدقيه مثل ( *قربة الحداد* ) وينفث فيحه الساخن النتن، ويتلمظ الحروف وينهشها، ويحدّق في وجه الكاميرا بسفور بهيمي ، ويقول : ( *القضية* )، تجتاحك المأساة، ويلسعك الوجع، كما تلسع عقارب الصحراء في ليلٍ شاتٍ.
يقولها ليخلّص نفسه من عارها، وملامحه من فداحتها، ليجد مبررًا يعلّق عليه قراب خزيه، ويغسل دم الضحايا من يده الباطشة وثوبه المسروق، يتمطى في ( *عبط* ) كأنما يتخبطه الشيطان، بل يبرأ الشيطان نفسه مما كسبه هؤلاء من آثام كما يتبرأ يوم القيامة ممن أغواهم.
هذا الإبهام ( *تسمية القضية* ) الذي أُريد له أن يكون كدمولاً على عقول الجنجويد، قبل أن يكون أثمالاً مطوية على الرؤوس، إذ لم يظهر هذا المدلول ( *القضية* ) إلا من بعد إشعال الحرب لتحقيق الرغبة الشريرة، المعتملة في ( *البعاتي* )، وغريزة ( *أم عامر* ) التي لا تفارقة، كلما رأى لحمًا، لا يميز لحم من، موسى هلال ، البشير ، البرهان، وكل هؤلاء رمز له معية،
ولكن تبقى المبررات ضرورة، ربما لنفس المعتدي، ليقنع نفسه بما فعل، مثل ما تروي الطرائف والمُلح، قصة القط الذي أنبّ الفأر لإثارته الغبار وهما في مركب على البحر، ولما إحتج الفأر بأنه لا يوجد غبار أصلاً أكله القط بحجة الوقاحة وعدم التأدب في حضرة الكبار.
وكذلك ( *البعاتي* ) ومن معه، رفعوا راية غليظة، متربة، ملوثة، قالوا عنها ( *القضية* )، دون أن يعلم هؤلاء الجهلاء عنها شيئًا، هل هي ثورة لرد مظالم ومطالبة بحقوق، أم هي مجادلات فكر وأطروحات حل، ومشروعات حُكمٍ وصياغات نظم، أم هل هي تحالفات إصلاح وفتوحات خير، والتنقيب عن كمالات الإدارة والنزاهة.
بالتأكيد لا شئ من ذلك كله خطر على بال أحد منهم، ولا حتى كبيرهم الذي علمهم ( *الشفشفة* ) ولذلك طفقوا يبحثون عنها بإسم الديموقراطية، والوقع عليها أي الديموقراطية أنكى مما وقع على القضية.
إستغرقت مسيرة البحث عن القضية ( *عامين كاملين* ) كانت أشقّ سنوات عمر السودان منذ رأى أهله القُدامى نور الحياة، ووطأت أقدامهم أرضه السمراء.
بعثر الجنجويد إستقرار الناس، هدموا البيوت، هتكوا الأعراض، إستباحوا كل الحرمات، بطشوا بطش الجبارين، الذين لا يرقُبُون إلاً ولا ذمة، تلذذوا بعذابات ضحاياهم في الأسر والسجون، حرموهم الطعام والشراب والإغتسال والخلاء، وسموهم بكدمات الضرب، ألهبوا ظهورهم بالسياط، نفثوا فيهم أقذع السباب، وأفحش القول، وأذم الشتائم، سبُوا الصبيّات، باعوهن رقيقًا في سوق جهنم في الجنينة ونيالا، صدّروهن سلعًا إلى مجاهيل إفريقيا، سخروا من كل قيمة في حياة الناس، دنّسوا المساجد بجرأة غير مسبوقة لدرجة ( *حفرة الدخان* ) حيث يستوي الناس في صف الصلاة لرب العالمين، حيث يجيء المسلم يطلب المغفرة من ربه، هنا يمارس الجنجويدي ما لك أن تتخيله، هدموا كل صرح، لم يتركوا قائمةً على أصولها، تعمّدوا إيذاء الناس بالوصف ( *السادي* ) كما يقول علماء النفس السلوكي، أنتنوا الحياة، عبثوا بكل قيمة، إستهتروا بالأخلاق، ملأوا الفضاء الإسفيري بالأكاذيب والمغالاة، هم وظهيرهم السياسي ( *القحاطة* ) الذين طفقوا يخصفون على عورات الجنجويد، حتى لا تراها عين الأشهاد، يبرّرون بمنطقٍ أعوج، وحُجج داحضة، ويسوقون كل جرائم الجنجويد ويلصقونها بالجيش الوطني.
وهكذا لما إستبان صباحٌ النصر في هذه الأيام المباركات، وإستطاع الجيش وقوات الإسناد كلها، إستطاعوا كنس الجنجويد، وإماطة أذاهم عن المدن، والحواضر، والقُرى، والفرقان، وشاهد العالم مقدار السعادة والفرحة، والحفاوة التي حفلت بها لقاءات المواطنين وإستقبالاتهم لجيشهم.
أما أهل القضية، فيا خيبة من ظنّ فيهم خيرًا، وإنتظر منهم نصرًا، وراهن عليهم ليكسب قصبًا، ظهر أهل ( *القضية* ) بأبأس مظاهر الخذلان وهم يهربون بما إحتملوه من أوزار من زينة القوم، إذ تصطف العربات المنهوبة من المواطنين، وهي تنوء بالأحمال وأثقال المسروقات التي تفضح خيبة السارقين، مراتب مستعملة عليها من بقع بول الأطفال، كراسي بلاستيك، أسرّة خشب وحديد، باغات، ألعاب أطفال، أدوات منزلية مستعملة، ثلاجات، مواقد غاز، ملابس مختلف المقاسات رجالية نسائية مستعملة، ستائر مختلفة، كميات من ( *الكرور* ) تكفي لبيان نوعية السارق ودناءة نفسه، وهوان مسعاه وتفاهة همته، وإنحطاط غايته وخسته التي يختشي منها رواةُ الدهر، وكُتّاب الخَيال .
ولو أن هذا الجنجويدي الخائب الجبان، الهارب، الفاز، المعرّد، لو أنه يحرى رَشَدًا في أهله، وكبيرًا في قومه، وواعظًا في قريته، وعفةً في مجتمعه، لما حمل إليهم هذه ( *الأوساخ* ) وأهداهم هذه ( *الزبالة* ) بروح القادم من إغتراب، أو الكاسب المجتهد.
هذه الخيبة وصمة عار، معلّقة على رقبة ( *البعاتي الطويلة* ) التي ظهر بها بعدما قُبر .

ويا أسفاه على القضية التي تم استبدالُها بعدة بلاستيك وملابس مستعملة.

*والله القضية عندكم يا جنجويد* .

ولتمضي جحافل الحق حتى تدك آخر معاقل الجنجويد.

*والله اكبر والعزة للسودان*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى