رجاءات صباحية د. رجاء محمد صالح احمد ١٩/١٢/٢٠٢٥م المتعاونون مع المليشيا… الخطر الخفي الذي استهدف الوطن من الداخل

لم يكن ما أصاب السودان وليد قوة عسكرية منفلتة وحدها، بل كان نتاج خيانة مركّبة شارك فيها متعاونون باعوا الوطن بثمنٍ بخس، وفتحوا أبواب المدن، وكشفوا أسرار المواقع، وقدّموا إحداثيات دقيقة ضربت قلب الدولة في أخطر لحظاتها.
لقد لعب المتعاونون مع المليشيا دوراً محورياً في مشروع تدمير ممنهج، استهدف البنية التحتية، والمناطق الحيوية، والمقار السيادية، والمستشفيات، ومحطات المياه والكهرباء، وكل ما يمس حياة المواطن اليومية. لم يكونوا مجرد صامتين، بل تحوّل بعضهم إلى عيون داخلية ترشد نيران الغدر، وتختصر الطريق أمام آلة الخراب، في خيانة واضحة لشعبٍ صابرٍ صامدٍ، اختار الكرامة طريقاً.
ولم تتوقف جرائم المليشيا والمتعاونين معها عند حدود الاستهداف العسكري، بل امتدت بوحشية إلى محولات الكهرباء وقطع الخدمات الأساسية عن المواطنين، في محاولة بائسة لكسر إرادة الشعب عبر التجويع والترويع، وإغراق المدن في ظلام دامس. لقد ضُربت محطات الكهرباء بإحداثيات دقيقة، لا لشيء إلا لمعاقبة المدنيين، وشلّ الحياة، وإرباك المستشفيات، وتعطيل إمدادات المياه، وإيقاف مظاهر الاستقرار البسيطة التي يتمسك بها الناس في زمن الحرب.
وما يجعل خطر هؤلاء أعظم من خطر السلاح ذاته، أنهم يعملون من داخل النسيج الاجتماعي، متخفّين خلف شعارات زائفة أو مصالح شخصية ضيقة، غير عابئين بدماء الأبرياء، ولا بصرخات الأطفال، ولا بآهات المرضى في غرف العمليات التي أُطفئت أنوارها عمداً. خانوا الوطن، وخانوا شعب الكرامة الذي ما وهن ولا انكسر.
غير أن المليشيا ومعاونيها تناسوا حقيقة راسخة: أن هذا الشعب، وإن أُطفئت أنواره الكهربائية، فإن نور الله في قلوبه لا ينطفئ. ففي العتمة وُلد الصبر، وفي قسوة الحرمان تجذّر الإيمان، ووسط انقطاع الخدمات ارتفعت قيم التكافل والتماسك المجتمعي. صبر المواطنون وهم على يقين أن الظلام عابر، وأن الفجر لا بد آتٍ، وأن النصر وعدٌ إلهي يتحقق بثبات المؤمنين وعدالة القضية.
لقد أرادت المليشيا أن تجعل من الكهرباء والماء والغذاء أسلحةً ضد الشعب، لكنها لم تدرك أن الإيمان أقوى من المحولات، وأن الإرادة أصلب من الحصار، وأن الصبر طريق النصر بإذن الله.
وفي مقابل هذا الظلام المصنوع، يبرز وعي الشعب السوداني الذي أدرك أن المعركة ليست فقط في ميادين القتال، بل في حماية الجبهة الداخلية، وكشف المتعاونين، ورفض التطبيع مع الخيانة، والاصطفاف الوطني الصادق خلف القوات المسلحة ومؤسسات الدولة، وكل من يعمل من أجل وحدة السودان وسيادته.
إن المرحلة القادمة تفرض محاسبة قانونية وأخلاقية صارمة لكل من تورط في التعاون مع المليشيا، وتستلزم خطاباً وطنياً واضحاً لا لبس فيه:
لا مكان للخونة بين شعب الكرامة، ولا مستقبل لوطن يُدار من غرف العمالة والتآمر.
سيبقى السودان عصيّاً على السقوط، ما دام فيه شعب يؤمن أن الحق لا يُهزم، وأن النصر مع الصبر، وأن الله ناصر من نصر وطنه ودافع عن كرامته.




