
*لاخير فينا ان لم نستفد من تجربة الحرب…*
السجال الذى ملأ الاسافير وفاضت به المنصات الافتراضية والواقعية ، ومجالس المدينة بشان ترتيب المشهد السياسي بعد الحرب كان صحيا وحيويا وان جاء فى توقيت اتسم بالحساسية البالغة نظرا لتطورات المعركة التى دخلت مراحلها الحاسمة..
اول الرسائل المستفادة من الجدال الكثيف حول تخطيط الملعب السياسي بعد الحرب كانت فى بريد المسؤولين عن مستقبل هذه البلد وفى مقدمتهم الفريق أول عبدالفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة، ورئيس مجلس السيادة وربان معركة التحرير، هذه الرسائل وان جاءت قاسية فانها تنبه القائمين على الامر بان سودان مابعد الحرب لن يكون مثلما كان سابقا، وان الوجود فى المشهد السياسي سيكون محكوما بقواعد الميدان ومختوما بشهادات المواقف من معركة الكرامة، وان بالسودان شعب علمته الحرب وتجاربها المريرة وجعلته يقظا فى اختيار الساسة الذين سيقودون البلاد فى المرحلة القادمة.
الرسالة التى استقبلها الفريق اول البرهان تقول ان السلطة فى هذه البلد لم تعد ماركة مسجلة للشخصيات السياسية النمطية والبيوتات الكبيرة واصحاب الولاءات المزدوجة والمواقف الضبابية…
هنالك وطن جديد شكلته الحرب بمراراتها وجراحاتها الغائرة ،ومشهد يرفض الاستهبال باسم اللافتات الكرتونية والواجهات المصممة خصيصا لخطف عطاءات السلطة، قوى جديدة تصعد الان من الميدان وشعب سيكون يقظا امام اية محاولات للالتفاف على مصائره والصعود على اكتافه لحكم الناس بلا عطاء او مواقف.
لقد سجل التاريخ كل شئ واعمل غرباله فرزا جيدا للسياسيين، فاظهر (الانتهازي والمستهبل والعميل) وميز الخبيث من الطيب الذى يقدم للوطن بلا من ولا اذى ودون ان ينتظر مكافاة نظير ولائه للتراب والوقوف مع الشعب السوداني.
على المسؤولين عن هذا البلد استصحاب هبة الاسافير وجدل المجالس فى ادراك ان كرسي السلطة لم يعد عطية يمنحها الحاكم ، ولم يعدهبة من السلطان وعطاء من يملك لمن لا يستحق، وانما اصبح من صلاحيات الشعب الذى كشفت له معركة الكرامة الخبيث من الصالح، هذا الشعب لن يعتمد كل ما يريده الحكام ولن يكون من السهل اقناعه بتقبل النطيحة والمتردية والموقوذة وما اكل السبع، فهذا زمان قد ولى وترك ندوبه على جسد الوطن الجريح ، ويكقينا من العبث ان القوى التى سلمها الشعب السودان الباد بعد الثورة وكانت على سدة الحكم تبيع الوطن الان بالدرولارات والدراهم وتوالي المليشيا التى ارتكبت كل الموبقات بحق الشعب السوداني، فقتلته وشردته وجعلته لاجئا ونازحا واحتلت بيوته ونهبت مقدراته واغتصبت حرائره واهلكت زرعه وجففت ضرعه وهددت وجوده بين الدول، كذلك يكفينا من فوضى السنوات الغابرة ما قبل الحرب ان قائد المليشيا المتمرد حميدتي كان الرجل الثاني فى الدولة ..
الرسائل الاخرى كانت فى بريد القوى السياسية التى نالها نصيب من انتقادات الاسافير والمجالس والمنابر ، وهي تحاول الدخول فى المرحلة الجديدة بذات الادوات القديمة ، وتسعى لكسب وجود فى المشهد لن يمنحه لها الا الشارع وان استقوت برغبة الحاكمين.
هذه القوى تحسست مواقعها جيدا بعد الجدل الذى اعقب خطاب البرهان وبدا واضحا ان الشارع قد كفر بالسياسيين وانه يرنو لفترة انتقالية طويلة يحرسها الجيش والتكنقراط على ان تعود الاحزاب والقوى السياسية الى دورها وتستعد عبر البرامج وترتيب البيت الداخلي لخوض غمار الانتخابات، ولعل هذه القوى والمجموعات ادركت ان الطريق الى الحكم لابد ان يمر بالشارع السوداني العريض، الذى نصب (الارتكازات ، والتفاتيش) لفحص هوية ومواقف القادمين والساعين لحكمه بعد الحرب.
الرسائل الخاصة جدا كانت بالطبع فى بريد “تقدم”،سابقا ، “صمود” حاليا والشارع يقول فيها كلمته ويشيعها الى مزبلة التاريخ غير ماسوف عليها بسبب بيعها للشعب وتاييدها لقتله وسلبه واغتصاب حرائره، وانشغالها عن معاناته ببيع الوطن فى مزادات العمالة والارتزاق، نعم هي قوى سياسية تشيعها لعنات الناس صباح مساء لانها مازالت تساوي بين الجيش الوطني والمليشيا المتمردة فى اكبر حالة خذلان يعيشها الشعب السوداني من ابناء عاقين يعيشون بدولارات حميدتي فى العواصم البعيدة ويسترخصون الدماء التى سالت باسم الديمقراطية ومحاربة الفلول ودولة 56.
الرسالة المهمة كانت قطعا فى بريد الاسلاميين الذين سندوا الجيش وصبروا على ما حاق بهم من اذى لانهم يضعون الوطن فوق الاجندة الحزبية والمصالح الخاصة، فقد دافع عنهم قطاع عريض من السودانيين واستحسنوا صنيعهم بعد ان وجدوهم فى الخنادق ممسكين بالمبادئ والخنادق.
ويحمد للاسلاميين انهم ومثلما تجاسروا على جراحهم خلال شراكة المدنيين والعسكر فقد فوتوا الفتنة النائمة ولعنوا من ايقظها وبعض الدوائر تحاول توظيف حديث البرهان لاحداث شرخ فى الميدان والمعركة تقترب من مرحلتها الحاسمة والبلاد تنتظر فجر التحرير..
مرت تصريحات البرهان التى لم تكن مائلة لطرف مرور الكرام لان هنالك من يلتزمون الخط الوطني اختلفوا او اتفقوا مع القيادة ، البعض حاول ان يعبئ تصريحات البرهان بالبارود الخبيث والاجندة الملغومة لكن المتابع لردة فعل قيادات الاسلاميين يستحسن انهم يعون جيدا ان الوقت للحرب وان لاصوت يعلو فوق صوت المعركة..
نحتاج فى مرحلة ما بعد الحرب لاستخلاص العبر والتوجه بنهج وطني جديد يمنح قيادة المشهد لمن يستحق بعد ان وحدت المعركة وجدان الشعب السوداني، واعلت قيمة الوطن واجرت فرزا حقيقيا ومايزت الصفوف بين الوطني الصادق والعميل الخائن.
لاينبغي ان نعود لممارسات ما قبل الحرب ونحن نقبل على تخطيط الملعب السياسي، لابد من ان تمر الاسماء والواجهات ب(غربال الشعب) حتى يعمل فيها جرحا وتعديلا وصولا لحالة التعافي الوطني التى تقودنا الى انتخابات حرة نزيهة يقدم فيها الناس من يشاؤون دون حجر او التفاف على ما يطلبه المواطنون.
قياس ردة الفعل تجاه خطاب الفريق اول البرهان تؤكد اننا قد وعينا الدروس السابقة، واستفدنا مما حدث فى السودان لاستصحابه فى تشكيل المشهد القادم, اذ لاخير فينا ان لم نستفد من تجربة الحرب اللعينة..