
أشرقت علينا أول جمعة في العام الهجري 1447هـ، وهي تحمل في طيّاتها عبق الهجرة، ووهج البداية، ودموع الافتقار إلى نصر طال انتظاره. إنها جمعة ليست كباقي الجمع، فكل ما فيها يذكرنا بالتحول الكبير الذي صنعه رسول الله صل الله عليه وسلم حين غادر مكة مهاجراً إلى يثرب، ليصنع حضارة، ويقيم دولة، ويهدي أمة من الظلمات إلى النور.
الهجرة لم تكن فراراً من ظلم، بل كانت انطلاقة نحو وعد الله بالنصر. وهكذا، فإن أول جمعة في العام الهجري ليست فقط محطة زمنية، بل محطة إيمانية نقف عندها وقلوبنا مملوءة بالرجاء. نرجو الله أن تكون هذه السنة عام كرامة وعزة للأمة الإسلامية، وعام فرَجٍ لأوطان مزّقتها الحروب وسُرقت منها الأفراح.
في السودان، كما في فلسطين، وفي اليمن، وسوريا، وليبيا، وبقاع كثيرة من عالمنا الإسلامي، يتكرر مشهد المهاجرين والمهجّرين، وتُغلق في وجوه الناس أبواب الحياة. لكن كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: “إنّ الله معنا.” وكما وعد الله نبيه: “والله يعصمك من الناس.” فإن في كل شتات، نواة لوحدة، وفي كل ظلم، بشارة بعدل، وفي كل انكسار، إرهاص لنصر قادم.
هذه الجمعة، نرفع أكفنا إلى السماء ونتوسل إلى الله:
أن يجعل عام 1447هـ عاماً يعز فيه الإسلام وأهله.
أن يعيد لأمتنا وحدتها، ويرد عنها عدوها، ويهيئ لها أمر رشد.
أن يحفظ السودان، ويحقن دماء أهله، ويبدّل خوفهم أمناً، وتفرقهم اجتماعاً.
ونُجدّد رجاءنا بأن الهجرة لم تكن حدثاً عابراً، بل كانت مشروع أمل، ودستور بناء، وطريق فلاح. فعلينا – نحن المسلمين – أن نرتقي بفهمنا لمعانيها، ونحوّلها من مجرد ذكرى إلى خطة عمل تُنقذ ما بقي من أوطاننا.
في أول جمعة من هذا العام الهجري، لنصنع بداية جديدة… في التفكير، في الإصلاح، في الدعاء، وفي الصبر على الطريق. فالهجرة لم تكن نهاية، بل كانت فجر نصرٍ عظيم.