راي

الإمـارات والجذور

لـواء رُكن ( م ) د. يـونس محمود محمد

 

الجذور المقصودة هي رواية الكاتب الأمريكي ذو الأصول الأفريقية المتوفى عام ١٩٩٢م، وهي سردية لتتبع حياة أسرة أفريقية مستعبدة عبر أجيال منها ووجدت إنتشارًا واسعًا وصيتا أدبيا رائعًا وتحولت إلى مسلسل مشهور كان له أكبر الأثر في تحويل الوعي الإجتماعي بالحقوق المدنية والتمييز ضد القوميات السوداء بالتحديد وعدم المتاجرة فيها كالسلع، وعدم إرغامها على القيام بأعمال شاقة ومؤذية نفسيًا، وبالمجان أو بالإكراه، أو بالأجر الزهيد في أحسن الأحوال.
كان الظنّ أن أحداث الرواية إنطوت مع إقرار الحقوق المدنية، وتحرير العبيد في العام ١٨٦٣م بواسطة الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن، ولكن للأسف لم يكن كذلك، فإن تحرّر العبيد في القارة الأمريكية نعم، ولكن سقطت أمهم القارة الأفريقية التي مخرت منها السفن من موانئ توغو ونيجيريا، وبنين، بما أصطلح عليه بساحل العبيد، الذي إرتكبت فيه، ( *بريطانيا* ، *وفرنسا* ، *وهولندا* ، *والبرتغال* ) فضلاً عن المستورد الرئيس أمريكا، إرتكبوا جرائم بشعة، فيها من القسوة ما يفوق ( *الجنجويد اليوم* )
سقطت أمهم أفريقيا في قيد عبودية جديد وإستبدلت قيود الحديد وسلاسل الرقاب بقيودٍ من حرير، وإخضاع الرقاب بالعطايا والرشوات، وهذا ما فعلته ( *الإمارات* ) إذ دخلت على القادة الأفارقة والتجمّعات الأفريقية والكيانات المختلفة من باب التجارة، والإستثمار والقروض، والسياسة والإستراتيجية، وغيرها من اللافتات والأقنعة، وقد نجحت إلى حدٍ كبير أن تُحدث إختراقًا عميقًا في مراكز صُنع القرار في كثيرٍ من الدول الأفريقية، وذلك بالتأثير المالي المباشر مع القيادات، وصانعي القرار، وبلغت إلى منتديات الإتحاد الأفريقي ومؤسساته التي تخدمه ، الأمر الذي شكّلت فيه ( *الإمارات* ) حضورًا جريئًا في المدى الأفريقي لم يتوفر حتى للدول التي تفوقها قوةً وغنى.
نقول هذا بين يدي إنعقاد قمة الإتحاد الأفريقي السنوية برئاسة الرئيس الموريتاني ( *محمد الغزواني* ) والذي سيخلفه على الرئاسة في الغالب رئيس أنغولا ”جواوا لورنسو“ أو الرئيس البتسواني ”دومابوكو“ ، أو تؤول لرئيس وزراء الكنغو السابق ”فيليكس أنطوان“ .
وخلص مكر الإمارات أن سبقت هذا المؤتمر بما سُمي ( *المؤتمر الإنساني رفيع المستوى* ) و الذي انعقد اليوم الجمعة وشارك فيه بالحضور رؤساء دول، والأمين العام للأمم المتحدة ، ومنظمات إنسانية ، وخبراء في مجال العمل الإنساني من أجل هدف واحد ( *تقييد الطيران العسكري في السودان* ) كقرار مرتقب من القمة ، بغرض تنفيس إنتصارات الجيش السوداني على الجنجويد المدعومين من الإمارات العربية، بغرض إختطاف الدولة السودانية وإلحاقها بإخوتها ( *الدول الأفريقية التي سلّمت أمرها للإمارات* ) والرؤساء الأفارقة الذين فقدوا شرفهم بالفعل الإماراتي وتوريطهم في حمأ الرشوة، لدرجة أن رؤساء دول يضطرون لإستقبال ( *روبوت ودوبلير* ) إستقبال الرؤساء دون أن يعقدوا أي مؤتمر صحفي أو حتى تصريح للإعلام.
الأمر الذي يؤكّد أن الإمارات أعادت قصة ( *الجذور* ) ولكن في قالب آخر أكثر قسوة وتشويهًا، فالدول الغربية في القرن التاسع عشر باعت واشترت عوام الناس من الأدغال الأفريقية وسخّرتهم للخدمة في الحقول، وقطع الأشجار كأفراد، ولكن الإمارات إستطاعت أن تشتري بعض الرؤوس التي تحكم، وترغمها على إصدار القرارات ضد المصالح الحيوية الأفريقية، وضد الإنسان الأفريقي في هذه الدول حيث تنتهك حياته، وحريته، وشرفه، ومستقبله.
فالإتحاد الأفريقي شاهد عيان لما حدث في السودان من تمرّد على الشرعية وما تم من قتل وتدمير ولكنّه ينظر بعين الإمارات التي تناصر التمرّد على الشرعية، وتمدّه بالسلاح النوعي، وتموّل كل عملياته العسكرية، وتحرّض بإعلامها على السودان وأهله.
والدول الأعضاء تسمح بمرور شحنات السلاح للسودان ، وقطعان المرتزقة من أهلها إلى السودان ، بل وتسمح بإستقبال المسروقات من ممتلكات أهل السودان من السيارات والذهب والأموال، تُباع في أسواقها جهرًا، بل أقسى من ذلك فقد بيعت ( *بنات السودان* ) رقيقًا في تلك البلاد وتم تسكينهن فيها، فأي عبودية أحط وأقذر مما يحدث لهؤلاء القادة الذين وقعوا في شراك الإمارات الخبيثة، التي عرفت تمامًا من أين يؤتى هؤلاء، فقد قال أحد المراقبين الأفارقة في أديس أبابا : إن وفد الإمارات يتجوّل بين القاعات والمكاتب ويحمل أحدهم (حقيبةً سوداء)
توزع الإغراء كذيل إمرأة بغيّ، تجعل كل من أمثال هؤلاء ( *عبدًا رغم أنفه* ) لهذه الجاذبية الدولارية، ولذلك ليس عجبًا أن أعلنت الإمارات تبرعها بمبلغ ( *مئتي مليون دولار* ) لأغراض المؤتمر قبل أن تعلن فكرة نيّرة، أو حل موضوعي، أو مسعى حميد، بحضور صاحب الشأن ( *السودان* ) ممثلاً في حكومته التي يعترف بها العالم،
فكيف تحضر مثل هذا المؤتمر المشبوه؟
كيف تحضره دول، ورؤساء، ومنظمات، لا يسعفها الحق ولا القانون في أن تعمل هذا العمل في غياب أهله، والتفسير واضح إن المال الإماراتي قد دخل على هؤلاء فجعلهم في غياب عن الوعي الوظيفي والإدراك.
وبحول الله لن تُفلح الإمارات، وعبيد مالها وكلاب صيدها، لن يفلحوا في الحد من إنتصارات جيشنا على عملائهم الجنجويد الذين يلفظون آخر أنفاسهم النتنة في الخرطوم، وبعدها سيتمدّد النصر إلى كل ربوع الوطن الحبيب.

( فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ.)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى