راي

هلا شققت عن قلبه

لـواء ركن ( م) يونس محمود محمد

 

الكلمة عنوان المقال خرجت من ثنايا أفضل الخلق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، مخاطباً بها ( *حِبه وابنُ حِبه* ) أسامة بن زيد عندما إبتعثهم إلى منطقة الحرقة من جهينة، وظفروا بالقوم فهزموهم، قال اسامة بن زيد : فوجدنا رجلاً منهم فهممت أن أطعنه فقال ( *لا إله إلا الله* ) فطعنته فمات، وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك فقال مغاضباً: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ فقلتُ: إنما قالها تقية ( *أي خوفا من القتل* ) فقال صلى الله عليه وسلم: ( *هلا شققت عن قلبه؟؟؟؟* ) وظلّ يرددها حتى قال أسامة : تمنيتُ أن أكون قد أسلمتُ ذلك اليوم، بمعنى من فرط ما وقع فيه من حرجٍ بالغ، وخطأ فادح، وسلوك أثار غضب النبي صلى الله عليه وسلم، ودلالة الحديث واضحة كرسالة نبل المقاتلين، وواسعة تعي وتجمع كل صور العقيدة القتالية، وقواعد الإشتباك، وشرف الجندية، ونُبل الفوارس، وحكايات أن الفارس الشهم إذا ما وقع سيف خصمه لا يستغل عزلته فيقضي عليه، وإنما يمهله حتى يلتقط سيفه، ولنا في إرثنا السوداني شواهد وفضائل جمّة، فكان الملك آدم أم دبالو في مملكة تقلي في منطقة جبال النوبة في أواخر القرن الثامن عشر كان يقاتل الأعداء نهاراً، ويطعمهم ليلاً.
وفي رواية الشاعر إبراهيم العبادي ( *طه وريا وحمد ود دكين* ) التي نثر فيها درر الفروسية، ولضباط وجنود القوات المسلحة الذين عملوا في مسرح العمليات الجنوبي طوال نصف قرن من الزمان، لهم روايات وقصص وحكايا ومشاهدات عن نُبل الجيش السوداني، وشهامة الجندي السوداني، وترفّعه عن إنتهاك الضعفاء، والأسير هو أضعف حلقات الصراع، ولذلك أفردت له القوانين فصولاً من الحماية، في القانون الدولي الانساني، وفي تشريعات عمل المنظمات العاملة أثناء الحروب ( *الهلال الأحمر ، والصليب الأحمر* ) فضلاً عن وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم ، في معاملة الأسرى.
إن مشهداً واحداً للإنتقام ممن أتهم بالإنتماء للجنجويد أو مساعدتهم، أو التخابر لأجلهم، ليهزم كثيراً من المكاسب النظيفة التي حققتها القوات المسلحة أثناء القتال، ويكون المشهد وثيقةً بأيدي المتربصين بالوطن، وجيش الوطن، وإلصاق التُهم الجزاف المختلقة فضلاً عن أن يجدوا بين أيديهم مادةً مُثيرة ومشاهد عنيفة، وتصفيات لشخصٍ أعزل، مهما كانت الدعوى؛ لأن مكان الدعوى هنا ( *القانون* ) أما العدو المحارب الممسك بالسلاح فهذا شأنه مختلف وهو ( *القتل* ).
ولذلك قام القحاطة يسلقون الجيش بألسنة حداد، شحيحة الخير، يذيعون التجريم للجيش، وهم قد صمتوا عن كل ما إرتكبه شركاؤهم الجنجويد من مجازر دامية، في قرى ود النورة، الهلالية، رفاعة، تمبول، والساقية، الغنوماب، ومئات القرى وآلاف الشهداء، وعشرات آلاف المعتقلين والمعنفين بالجلد والإذلال، والإغتصاب، وملايين المخرجين من ديارهم كرهاً، ونهب الأموال، وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، تركوا كل ذلك، وغضوا الطرف عنه تواطئاً، ولم يسجلوا إدانة خجولة، ثم هم أولاء الآن يتبنون قضية ( *الكنابي* ) ويروجون مشاهد مصورة لجنود يعتدون على عزل.
القوات المسلحة هي مؤسسة الوطن، قامت على حمايته ولم تزل تفعل ذلك بفدائية وتفانٍ، وقد قدّمت في هذه الحرب ثُلة من أعلى الرتب وأرفع الدرجات، وأميز العناصر، وأنبل الفوارس، وأسراباً من أطيار أرواح الشهداء، كلها من أجل سلام الوطن وأمن المواطن، والناس يشهدون على ذلك بتلاحمهم معها حيث حلّت وإرتحلت، تتبعها مواكب الفرح، وتزفها زغاريد النساء، ويتبعها جيل الصغار فضولاً وإمتناناً، تمتد إليها الأيدي بالعطاء غير المجذوذ، جزاءًا صنيعها، بعرش الظلال من فوق الرؤوس لتقيها ( *حَرُورَ الحرابة* ).
إن نقطة من خل خمير كفيلة بإفساد طعم العسل،
عسل النصر الذي سلكت فيه القوات المسلحة ( *سُبلاً وعرة* ) وذللتها بفضل الله، ليشفى الوطن من أدواء ( *الجنجويدية* ) ومن متلازمة ( *قحط* ) التي أخلّت بمنظومات التفاعل الحيوي السوي، وأثرت على مستوى الإدراك العقلي، والمسؤولية الأخلاقية، فهما ( *الجنجويدية* ، *والقحطية* ) جرثومة متخلقة، فالتة من مختبرات العمالة، لا يصلح الحال إلا بالقضاء عليهما، والتطهر من آثارهما، ومن ثم النقاهة، والتعافي.
وأخيراً فإن للحرب أحوال وأهوال، فأما أحوالها ففي تعدد صورها وأنماطها، من العمل الإستخباري، والحرب النفسية، والدعاية السوداء، والعمل المعنوي، والأعمال القتالية، وإعادة التأهيل النفسي بعد الحرب، والتوثيق والإحصاء، وجملة من التراتيب والأعمال، كلها تقع في نطاق الحرب.
أما الأهوال فهي النتائج المترتبة على الحرب، وآثارها على الحياة، والعواطف، ومنظومات المجتمع، والمتحرك الثقافي، وتغيّر المفردات، والمصطلحات، والتصنيف والإصطفاف، وفرط الحساسية، وفورات الغضب، ورغبة العزلة، وإضطراب خطط الحياة لكثير من الناس، وآثار أخرى كثيرة، ستطفو على حياة الناس، مما لم يكن لهم بها من سابق عهد.
نسأل الله لطيف أقداره.
ونربأ بأجنادنا ( *خير الأجناد* ) أن يعتدوا، سيما على أسيرٍ مهما أحاطت به أسباب الإشتباه .

*سدّد الله الرمي وثبّت الخُطى وتقبل الجهاد*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى