راي

حماس في مقابل نُخب العالم

لـواء ركن ( م) د. يونس محمود محمد

 

اليوم بفضل الله ثم بجهد وجهاد حركة المقاومة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، تم إرغام العدو الصهيوني المجرم، وتمريغ أنفه في العار، وكشف سوءته أمام التاريخ، وإجباره على لعق أهدافه الثلاثة التي أعلنها فور إستعادته وعيه بعد عمليات طوفان الأقصى، في السابع من شهر أكتوبر عام ٢٠٢٣، فى ضحى يوم السبت الأغر، الذي أصبح أشهر أيام التاريخ على الإطلاق، حيثُ فاجأت ( *حماس* ) العدو الصهيوني بطوفان من الأبطال الفوارس، إقتحموا حماه المحروس بالجنود والسلاح، والأجهزة والكاميرات، والأسلاك الشائكة، والجدران العالية السميكة، والمراقبة الجوية عبر الأقمار الصناعية، والكلاب المدربة، والعملاء والمخبرين الذين يتشممون الأنباء ويسرّبونها لهم، فضلاً عن القدرات اللا متناهية في السيطرة والتحكم ( *سيبرانياً* ) على الوسائط في الإنترنت عالمياً، نعم كل هذا وزيادة لم يمنع الطوفان أن يطغى الماء ويغمر العزم والتصميم والعقل الحكيم، والتدبير والتوكل، والإقدام والإرادة، لم يمنعها جميعاً أن تتجاوز تلك العقبات، وتثب فوق كل تلك الحواجز، فتفتح الثغرات في الجدران، وتميط أذى الأسلاك، بسياراتٍ محدودة، ونقليات خفيفة، وبنخبة راجلة، وتتنزّل عليهم من فوقهم بدراجات هوائية، كأنها شهب السماء، في إقتحام جوي مثير للإعجاب، أكثر مما هو مثير للرعب والمفاجأة، كل هذا تم ، وعيون الصهاينة مُثقلة بنوم الضحى مسبتة ( *من يوم السبت إجازة اليهود* )، لم تسمع آذان الشاباك همس الأبطال، ولم يبلغ لعلم الموساد أثر من كل ذلك، ولم تشم أنف الإستخبارات العسكرية أي ريح من هذه الطبخة على عظمها وخطرها، وهكذا تمت التعمية التامة لخطوط الأمن الإسرائيلي ( *الثلاثية* )، حتى وقف مجاهدو حماس على رؤوس الجيش الصهيوني، في داخل مقارهم في قطاع الفرقة (143) المسؤولة من حماية مستوطنات غلاف غزة، فأصيبوا بالشلل من فرط الخوف والمفاجأة، فجندلتهم بنادق حماس، وساقتهم سواعد مجاهديها سوق السوام من رقابهم، وأظهرتهم الصور وهم يحتمون داخل ( *الحمامات* ).
وبعدها إستجمع اليهود شتات أنفسهم، وأعلنوا الحرب على قطاع غزة، حيث قام سلاح الجو الصهيوني بإلقاء أكثر من مئة ألف طن من القنابل، على حيز قطاع غزة المساحي الذي لا يتجاوز ( *٣٦٠ كلم مربع* )على رؤوس أكثر من مليوني نسمة، وصاحبه قصف مدفعي مستمر ليل نهار، طوال أكثر من خمسة عشر شهراً، وقصف بحري من طول الساحل البالغ أربعة عشر كليومتراً، وأعلنت أمريكا وقوفها ومساندتها لحليفتها إسرائيل، وفتحت مخازن السلاح، وأنشأت جسراً جوياً للإمداد العسكري، بآلاف أطنان القنابل الذكية و (*الغبية* ) لقتل كل من هو فلسطيني في القطاع، وعلى ذات الأثر مضت ( *بريطانيا وفرنسا وألمانيا* ) وبإختصار كل حلف ( *الناتو عدا تركيا* ) شارك بدرجات متفاوتة في مجازر غزة، ونال نصيبه من عار التاريخ.
نعم ومن وراء هذا كله كانت الأهداف الثلاثة المعلنة ، والهدف الأوحد المستتر.
فأما الأهداف الثلاثة فهى أولاً تدمير ( *حماس* )، ثانياً إعادة المختطفين والأسرى البالغ عددهم نحوا من مئتين وخمسين شخصاً، ثالثاً تغيير الوضع في القطاع بعد تصفية حماس وتنصيب عملائهم ( *أبو مازن ومجموعته* ) لحكم القطاع.
أما الهدف الأصل وراء كل هذا هو ( *تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد* )، إسكات صوتها، وإبادة سكان القطاع، وتهجير من بقي منهم، والحديث كان واضحاً حتى من بعض الرؤساء العرب، أن سيناء هي وطن بديل لأهل القطاع، لأنهم مطمئنون للضفة مادامت تحت حكم وكلائهم في منظمة التحرير أبو مازن.
استعرت الحرب، ومزقت أجساد الأبرياء العزل، وأحكم الحصار براً وبحراً وجواً، وأغمض العالم عيونه، وأصم آذانه، وصرف وجهه إتقاء الحرج، وأفتضح التآمر حتى ممن يسمون ( *عرب ومسلمين* ) فكان بالحقيقة هو صراع الإرادات، وإختبار الصبر وإمتحان الثبات، والصهيوني النرجسي المتغطرس ( *نتنياهو* ) يؤكد أنه لن يقبل من حماس غير الإستسلام ورفع الرايات البيض، وتسليم السلاح، والخضوع لمشيئته الباطشة، وفك لجام جيشه ليمارس أسوأ أساليب القتل والتنكيل تدعمه الآلة العسكرية الشرسة، والتوقعات عندهم بحسب المتابعات الإستخباراتية، لن تصمد غزة أكثر من أسابيع، وسينضب معين السلاح والذخائر عندهم، وسينفد صبر السكان وينتفضون ضد حماس، وسيحدث إنقلاب داخلها، وكلها تأويلات أثبتت الأيام أنها أضغاث أحلام صهيونية،
حيث مر عام وثلاثة شهور، وجيش الدفاع الاسرائيلي يستنفد صبره، وينزف (*دماً أزرق* ) وتجتاحه المفاجآت البطولية، وتذهله مشاهد صنديد من حماس أو سرايا القدس، يعتلي الدبابة الميركافا ويلصق بها العبوات المتفجرة، وتمتلئ المقابر بجثث اليهود، ويخيّم الحزن على المستوطنات، وتغص المشافي بالمصابين، وتتزاحم صفوف المرضى النفسيين في المصحات، وتتوالى أرقام المنتحرين، وتعم الفوضى، ويرتفع صوت الخصومات بين الساسة والعسكريين، ويستقيل وزير الدفاع، وقائد قطاع غلاف غزة، وتستبين ثغرات ( *الجيش الذي لا يُهزم* ) لدرجة ترقيعه ( *بالحريديم* ) وهم المتدينون الذين لا يؤمنون بالعمل في الجيش ( *إعتقاداً* )، وتزداد وتيرة الصراع المجتمعي في الكيان، ويحزم حوالي نصف مليون حقائبهم ويغادرون، وتتعثر خطى الإنتاج، ويوشك الإقتصاد على الإنهيار برغم الدفعات المنشطة من خزائن العالم ( *ومنهم عربي* ) وينتشر الرعب، وتتعلق الآذان بدوي صفارات الإنذار، فيهرع الجميع إلى الملاجئ في ذعر الفئران، يتدافعون أمام المداخل فتكثر الإصابات بينهم، وتنقشع روايات وأساطير ( *أرض العسل واللبن* ).
وهنا يتفجر الغضب النبيل، وتفيض المرؤات والرجولة من ذوي قربى الإسلام والعروبة برغم بعدهم الجغرافي، فيقوم أنصار الله، ونعم الأنصار بسد منافذ البحر الأحمر أمام اليهود، وإستهداف كل سفينة متجهة إلى موانئهم، واطلاق الصواريخ الفرط صوتية لتضرب تل ابيب ، وصواريخ حزب الله من لبنان، وصولات الشيخ حسن نصر الله ( *رحمة الله عليه* ) والمقاومة العراقية، كلهم وقف وقفات مشرّفة سيذكرها التاري، كما سيذكر تواطؤ البعض، ودعمهم العدو بجسور
الغذاء براً تعويضاً عن مفقود الإنتاج في مناطقه شمالاً وجنوباً.
إن بطولات غزة لن يسطيع أحد آحصاءها، وعقول قادة حماس رجحت كل عقول النخبة في العالم ( *نعم النخبة من نوابغ الفكر والصناعة، والتخطيط* ) حيث عجزت كلها بما تملك من أدوات عجزت عن معرفة مكان الأسرى على كثرتهم في مساحة ضيقة، وغلبتها حقائق الميدان العسكرية أن يهزم مجرد مقاومة متألفة من بضعة آلاف من المجاهدين ليس بينهم خريج مدرسة أكاديمية عسكرية، ولا يملكون مثقالاً مما يملكه عدوهم من أدوات وتجهيزات ومجال عمل، ومناورة، وتواطؤ دولي، عجزوا أجمعين بعد خمسة عشر شهراً، وأخيراً قبلوا بتجرع كأس الهزيمة، في أن حماس لم تنكسر، وأن مقاتليها لم ينهزموا، ولن ينهزموا بحول الله.
إستسلم اليهود لحقيقة أنهم عجزوا عن معرفة مخبأ الأسرى والمختطفين، وقبلوا بكل شروط ( *حماس* ) على قسوتها بالنسبة لهم، ومرارة طعمها، سيخرج العدو من كل القطاع، ومن محور نستاريم، ومن فلادلفيا، ولن يكون هناك إستيطان، وسيطلق الأسرى الفلسطينيين.
برغم كل ذلك الألم بفقد أكثر من خمسين ألف شهيد، وربع مليون مصاب، ودمار تام لكل القطاع، تقف ( *حماس* ) اليوم في الدوحة شامخة، وتجبر العدو الصهيوني على التوقيع على الإتفاق، شاهداً على نفسه بالعجز والهزيمة ( *عدم تحقيق الأهداف* ) ومقراً بقدرة حماس على إدارة الصراع العسكري بجسارة، وإدارة التفاوض بفطنة وذكاء فائق، حيث أنفذت إرادتها بكل إقتدار، وكشفت كل محاولات الإيقاع بها في قيد المفاوضات، لم ينل منها الإبتزاز السياسي والإعلامي والحرب النفسية في أعلى صورها، والضغط العسكري العالي الذي مارسه الصهاينة.
نعم بارت كل سلع التنطع الإسرائيلي المدعوم من مخابرات العالم، وصفوة عناصر المخابرات، وعلماء التخطيط للحروب، وسادات فن التفاوض،
لأن الله دائماً في معية حماس، فهم صفوة البشر في هذا الزمان.
تقبّل الله الشهداء:
– اسماعيل هنية ابو العبد.
– المجاهد القائد الفذ يحى السنوار أبو إبراهيم.
وكل الشهداء من المجاهدين والنساء والأطفال والشيوخ
تقبّل الله من كل من دعم غزة وأهلها بالموقف والصواريخ، والمال، والدعاء.
*وانه لجهاد حتى النصر أو الشهادة كما يردد المجاهد الرائع أبو عبيدة.*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى